الارجوحة
في طفولة مضت كصوت عذب صدح بالغناء طويلا ثم ارتحل كنت اركض لها .
ارجوحة معلقة بين الارض وزرقة السماء ، اركبها بارادتي ظاهريا ولكن في حقيقة الامر هي من كانت تدعوني وتسحبني لا شعوريا ، تتسلل كهاجس اثناء الدرس فتتبدل بعض الاشياء ، اتابع شفاه مدرستي ولا اعي ما تقوله مسحوبا من واقعي لها ، مبتعدا عما يحيطني رغم بقاء جسدي ماثلا امام عينيها التي ترقبني باعجاب يكبر الصمت والهدوء الذي يحيطني ، و وجه يصدق بؤبؤ عيناي الذي يتبعها متصورة ان هذا اهتمام لا رغبة خفية في الهرب من الزحام وتلهف عميق ينتظر صوت الجرس القادم ليحلق بي بعيدا عن مكان ربما كنت اشعر داخله ببعض الملل وعدم الاندماج الكلي او الانتماء .
هذه الارجوحة موجودة في فناء المدرسه و في فناء الدار ، وادرك انه يوجد مثلها في بيوت بعض الاهل اوالاصدقاء ، موجوده ايضا في بعض الامكان العامة ، فوجودها دائم ومحتمل وليس مستحيل ، لها اكثر من شكل ولون ، لها الريح وقبضة الهواء و ارواح تدنو لتلعب بها فتلعب بهم طوال عمر كامل .
كنت اتجاوب لدعوتها الدائمة لي حتى حين نسافر الى بلاد بعيده ، كانت تباغتني في اماكن عديده ، لا اقاوم استسلامي لها و اجعلها بكل طواعية تسرقني ، فلا اركض ولا العب فوق الاعشاب الخضراء ، فقط امكث فوق لوحها المعلق الاعب الريح باقدام صغيره لا تدري في الغد حين تكبر اين ستاخذها خطاها او في اي طريق سوف تسير .
كانت قبضة يد امي الحازمة بحب لم اعرف مثله هي المخرج لي حين تلامس كفي الصغير بحنان مفرط و تاخذني مرغما بعد الحاح لمشاوير بعيده عن هذا اللوح المعلق ، فاعود – رغم ضيقي البادي في البدء – مسرورا كوني رأيت اشياء ماكنت لاشاهدها ان استسلمت لرغبتي فقط ولم استسلم لالتفاف اصابعها حول يدي واصرارها في ان اذهب لنطعم الطيور معا مستمتعا بفكرة العطاء والتفاعل مع ما حولي .
الغريب انه رغم ابتعادي هذا تظل صورتها باقية في العمق والواقع لا تختفي ، تلوح من بعيد ، تهزها نسائم الصيف فتهزني رغم ان ارجلي تقف على الارض و تحرك اشياء مبهمه بداخلي بشكل او بآخر .
مع الوقت كنت اكبر و الارجوحة باقية في مكانها ، تحتضن كل برئ قادم ، هي لا تسقط احدا فما يسقطنا سوى اقدامنا و استسلامنا لرغبتنا بالهروب بعيدا ، هي شهوة الاقتراب من الزرقة والابتعاد عن الارض التي تحتوي احب الناس لنا ، نعلو فوق تربة فوقها نعيش و بها لا يتحقق سوى اقل القليل من احلامنا و ان حدث كانت معجزة هل لأن احلامنا في بعض الاحيان مستحيله !؟ .
ان امزجتنا واهوائنا تتشابه رغم الاختلاف مع هذه الارجوحة فهي تاخذنا بعيدا وتسرقنا و في بعض الاحيان تكون اخطر كون حبالها معلقة بالروح فلا فرار منها والمدهش انها تعمل بطريقة شبه معاكسه ، فلكي تكون في مأمن من السقوط في وحل الوقت المهدور ، والغوص في رمال الامزجة المتحركة و التي تبتلعك ظلمتها عليك بالمقاومة لتصل بعيدا الى النور ، تتحرك باقدام اتعبها المسير ، تركل الهواء لتعلو بعيدا في منأى عن عد تنازلي استسلامك له قد يسقطك ويوقف طاقتك دون ان تدري فتسلبك الراحة متاعبك وتجاربك الجديده التي قد تاتي بجديد يفوق احلامك واهتمامك ، جديد يجب ان تتحرك لتصل اليه وفي الحركة بحد ذاتها قد يسكن الهروب وتتوارى الراحة !
هي ارجوحة المزاج تتحرك فتربكنا ، ان علت كثيرا قد ترهقنا وان توقفت تماما فهذا يعني اننا تعبنا او ربما بدأنا نطبق ما تعلمناه من اشخاص كنا ولم نزل نغبطهم لاصرارهم على بقاء اقدامهم ثابتة فوق الارض متجاهلين دعوات الارجوحة كلما حركها الهواء ، يدركون تقلباتها لذا هم يتحاشونها و يقاومونها بدأب مستمر ، يبحثون عن اي بديل هربا من راحة تخفي تحت جسدها الممتلئ هزيمة ثقيله ، يصطادون الضحك وان كان فراشات نادره يعيشون الحياة بصدق وان جرح الشوك اصباعهم ، العالم في عيونهم تقاس مسافاته بمعايير وترسم حدوده بدقة ويتجاوبون معه وفق مبادئهم ويتقبلونه كما هو، لا عالم يحسون به بقلوبهم ويقيسونه وفق مخيلتهم ويتجاوبون معه وفق ردات فعلهم ويهربون منه الى ارجوحة تقاس بالسانتي ميترات وتعتقلهم رغم الفضاء المحيط كزنزانة تسرقهم بعيدا عن ذاتهم وعن الحياة التي بها وحدها تكتشف هذه الذات !
هي ارجوحة رسمت على حقيبة صغيره ، وضعت باهمال داخل احد المحلات فوق رف ابيض تبدل لونه وبات قديما ، وقفت اتامل الفتاة المرسومة طويلا ، قرأت كلمة ارجوحة المزاج ففكرت بهذا اللوح الخشبي الازرق واثره في الحياة ، استمر تفكيري وانا احمل القليل المتبقي من هذه الحقيبة التي اشتريتها لي ولاشخاص ادرك ان امزجتهم تتقلب مثلي و تعلو وتهبط كالارجوحة لتبدل حركة اقدامنا بعضا من تفاصيل حياتنا فتقترب اشياء و تبتعد اشياء ونظل معلقين بين الارض والسماء ، لهم ولي ولارجوحة المزاج … لذلك الامس …. ولهذا اليوم .. وللغد القادم … اسجل هذا الشعور و اكتب هذه السطور .