هل هذا هو عالمنا حقا !؟
ما بين العالم الذي يطالعنا في نشرات الاخبار والصحف والتلفزيون وشبكة الانترنت و رسائل الهاتف و كافة وسائل التواصل والاتصال والعالم الذي نعيشه وفق حياتنا اليوميه مسافه ما ، قد تكون قريبة مما يحدث او بعيده عنه الى حد ما ، لكنها بالتاكيد لا تمتلئ بهذا الزخم من الاحداث التي توقظ الخوف وتشتت التركيز و تهدر طاقة الصوت في تناقلها او ارسالها وكأن كل انسان بات قناة مستقلة .
قناة تبث ما تمتلئ به طوال اليوم من مواد لا تعنيها حقا (!) .
تنقل ما يصلها ، الى ان اصحبت تعتاد ذلك وتحترفه دون ادراك كامل او وعي بما تفعل ، تستخدم في فعلها هذا احدث وسائل الاتصال لينتشر بسرعه دون ادنى رقابه و قبل التحري من صدقه ودقته .
ارواح تتساهل و حناجر تتخلى عن قدراتها الانسانيه فلا تحلل او تفكر وتصبح طواعية وبلا اي فائده تذكر وسيلة نقل وبث ، تعمل دون رقيب وتنشر دون رقابه .
اصوات تملأ رأسنا بمعلومات مكرره وتتشابه ايضا بكونها منقوصه في الغالب وغير مكتمله ، تقدم لنا حقيقه مشوهة تتناقل بين الناس بوجه لا يشبهها حقا ، تمضي وملامحها الحقيقيه مختفيه ، فالبعض يضيف لها او ينقص منها فلا تكون ذاتها التي تعرف وكانت ابدا .
في عالمنا قد تصبح الشائعة خبر وحقيقة وتبقى كذلك ، مهما صدر من تكذيب لها تظل في الذاكرة وشم حفر على ساعد الزمن وعبثا يمحى لكن لا يحدث ذلك .
يمضى العمر بنا ونحن نستهلك انفسنا اثناء استهلاكنا لكل شئ حولنا ، دون ان نمنح ذاتنا فرصه لتامل ذاتنا و الحقيقة – التي تحيطنا وتعنينا بشكل مباشر- بالقدر الكافي ، وان حدث وفعلنا نغرق بسيل من السلبية التي تدفعنا للهرب والتخبط ، فنهذي بكلمات لا نعنيها ، ونشتري اشياء لا نحتاجها وقبل ان يعتق ما بين ايدينا نبدله بشئ جديد ونستمر بهروبنا الدائم .
فيمضي الوقت سريعا بلا بركه ، ونستمر في تطور مزيف لا نصنعه او نشارك به ونعدو فيه بلا هدى ، عروقنا تنبض ولم نزل نتحرك بدروب الحياة ومع هذا نعيش لنفني اعمارنا وننهيها.
يقل الكرم حين نتذكر الاخبار التي تتحدث عن خط الفقر ، يقل المعروف واماطة الاذى عن الطريق حين نتذكر آخر الحيل التي تقوم بها العصابات وقطاع الطرق في الوقت الراهن ، تقل الثقة و يصبح للشك مساحة اكبر .
نصدق الاخبار التي تطالعنا في شاشة ممتده و تغطي اخبارها احداث كوكب كامل ، وهي بدورها تنتقي الكوارث ، الفضائح ، وتتفنن بتسيس الحقائق لارضاء فئة ما وتعبئة الرأي العام الذي بات من كثر ان امتلئ غير مهتم بما يحدث من حوله ومع ذلك يتفاعل معه وان ابدى العكس !
الاخبار الجميله تمر سريعا كفراشة لا تستدعي المتابعة وكفاها في الحياة ان تكون خبرا ، لن تكون ابدا شيئا اكبر ، لن يعدون تقرير يذكرون به اين ذهبت الفراشة ومن الرسام الذي نسخ الابداع الالهي في اجنحتها فوق لوحاته ، ستهمل الى ان تاتي لحظه مناسبه ويعد بها تقرير عن انقراض هذا النوع من الفراش بسبب غازات غامضة في نيبا كامبا – وهي منطقة غير معروفه للمتلقي – ويتم معها لقاء سريع لتحدثنا بعين دامعه عن مأستها وكيف رأت الفراش يموت امامها ويسقط واحد بعد الآخر !
نشرة الاخبار لا ترصد عدد الثيران التي يقتلها الانسان اثناء مصارعته لها في اسبانيا ، لا تتحدث عن الاجور او اسعار الدخول وكسب الانسان عبر القتل الغير مجدي .
لكنها بيسر وسهوله تعد تقرير مصور وتعنونه ” ثور هائج قفز من الحلبة واصاب 40 متفرجا في الملعب ” دون ان تذكر بانهم من تدافع وتحرك رعبا فاصابوا بعضهم بعضا .
اما هو فكان يسعى للفرار بحياته بعيدا عن موت استهتاري فرض عليه ، تحدثوا عن 40 مصاب ولم يذكروا الاعداد التي اتت لتشهد موته بالتدريج في الحلبة الدائريه ، لن يفكر احد باي جوانب نفسيه لهذا الكائن كونه خلق حيوان ، لن يسرح الخيال لتصور حياته او دافعه للهروب ، ربما يكون قد شاهد بعينه رحيل امه وابوه في الحلبة ذاتها ، ربما تعلم مع الوقت ان هذه الحلقة الترابية هي امر مرادف لانتهاء الحياة .
وفي هذا الزمن الكثير من البشر باتوا يتشابهون مع هذا الثور الحائر ، تحيطهم حلقة ما تغلق السبل امامهم وان بدت مفتوحه ، تملئ نفوسهم بالخراب وان بدوا سعداء وضاحكين ، تغذي دمائهم وافكارهم بسلبية مبهمه المصدر لكنها ماثلة ويستشعرون وجودها كما يشعرون بزفيرهم وهو يخرج دافئا دون ان يراه احد .
مدرجات هذه الحلقة القابع بها الانسان مزدحمه بالكثير من الحضور ، العادات السيئه التي يمارس ، المعلومات الغير صحيحه التي يعرف ، التصورات الغير واقعيه عن ذاته وما حوله ، الاحباطات العديده التي مرت به او بسواه ، تجاربه الغير ناجحه وتجارب الاخرين ، الاضطراب العاطفي والارادة الواهية ، الخبرات المبكرة و الانطباعات الاولى ، و للخوف من المجهول مساحه لا يستهان بها في المدرج .
هو والثور كلاهما تم اقحامه في حلقة لم يسعى لها ولم يخلق لاجلها ، لا تتشابه مع بيئته التي يجب ان يعيش بها ، دفع عنوة ليقف هنا و يعيش لحظاته الاخيرة لا لذاته او لمن يحب حقا بل لتسلية الاخرين بنزف دمه ، واهدار طاقته وجهده لتأمين دخل مادي لمن يشرف على قتله ويعد له بشكل منظم .
ان سئل هذا الثور عن حياته الحقيقة التي يذكر واتيح له الحديث ، سيسقط من ذاكرته كل ما مر به في ذلك المكان و يتحدث عن لحظات حميمه لامسته وبقي اثرها في روحه نابض كقلبه ولم ترحل الا بعد رحيله .
وهكذا حياتنا ايضا ، فعالمنا الحقيقي اعمق مما يحيطنا واقل صخبا واكثر ثباتا وللاسف لا نمكث به طويلا كوننا نعود للحلقة باستمرار ، انه عالم مرتبط باشياء معنويه مركبه وبعضها يكمل بعضه وباشياء محسوسه لكنها بسيطه و ربما حين تحدث نشعر وكانها تحدث لاول مره .
قد نعيشه ذات ليلة تملئها السكينة والرضا وراحة الضمير عند شربنا لمشروب دافئ اعتدنا عليه ونشربه دائما لكن نستشعر طعمه الذي نعرف وكاننا نتذوقه للمرة الاولى ، قد يكون امسية عاديه لا شي يميزها سوى صفاء الذهن و وضوح التركيز عند قراءة كتاب اعتدنا على مطالعته فنتامل الحروف ونستوعب اغلب ما به بطريقة افضل من المعتاد ، قد يكون نهار حافل بالعطاء البسيط والتعب الذي لا يعيقنا بقدر ما يدفعنا لعطاء اكثر وبشكل يفوق قدراتنا التي كنا نتخيل ، قد يكون فجرا شهدناه و به قررنا في لحظة صدق ان ننهي ايام مظلمه ونبدأ مع انفسنا عهد جديد .
انه عالم يشكل اغلي ذكرياتنا واعمقها ، عالم مرتبط باشخاص في حياتنا وفترات مضت ومشاهد لم نخطط لبقائها وظلت تومض في الاعماق لفرط صدقها وندرتها ، معبره وان امتلئت بالصمت وكانت بيننا وبين انفسنا فحسب .
كل ما اتمناه لي ولكل من احب حقا الخروج من العالم الافتراضي والتحرر من تلك الحلقة – او حتى السعي والمحاولة – لاجل الولوج لعالم حقيقي خلقنا به وفق نواميس محدده وفطرة لم يتم العبث بها وعقل لم يتم تغذيته بما لا يفيده منذ ان بدء يدرك ، وبنفس غارقة بصفاء النية وممتلئة بالرضا والطمأنينه والايمان.
على الهامش :
+ نشر خبر الثور في بي بي سي العربيه .
+ لمشاهدة الحدث كملف فيديو اضغط زر التشغيل ادناه :
Thanks 2 WannyWanster
مقالة اكثر من رائعة
rana said this on أوت 21, 2010 في 11:34 م |
دائما يارنا تثبتين اختلافك وتميزك دون ضجيج او ادنى صخب يذكر .. الرائع حقا انتي .
يزيد said this on أوت 22, 2010 في 9:31 م |