حين اقتات على الجيف

لم الم احدا .. لذا لا يلومني احد !

هذا السقوط الذي اعيشه ، الفراغ الموحش الذي اسبح به ، الهزيمة التي اتستر بها كثياب داخليه تحت ملابس انتصارات وهميه لم تحدث وان حدثت لم اشعر بها .

كل الهراء الذي اسمعه .. وانسجه واقوله … ويؤثر بحياتي وحياة الاخرين .. وننطلق في المستقبل المجهول على ضوئه الزائف .. بقلب خائف ان يحدث لنا ما حدث لسوانا .. وربما لكي نتجنب هذا قد لا نفعل شيئا .. وان فعلنا ..اخترنا الادني !

نخشى تلك الوليمة المكلفة .. نهاب تلك المائدة الممتدة .. نرتاب من اعين تراقبنا على طاولات مجاورة .. تتمنى ان يكون طعامنا مشابه لما تناولوه .. يسعون الى عزاء انفسهم من خلالنا .

وربما رغب البعض ان نتناول الطعام المسموم .. والذي يقوم بمفعوله على مدى بعيد .. وبوقت بطئ ممتد ياخذ منا عمر كامل .. في التفكير في تناول هذه الوجبه … والسعى اليها … ومحاولة ادخار ثمنها … وتبديد عرق سنوات في ايام معدوده .. واحيانا ساعات .

قيل ان غذاء هذا المطعم مفيد .. ويمنحك المزيد … ان عرفت متى تقف … ومتى تكمل .. وكيف تتناول ما امامك .. وقد يكون هذا صحيح لاناس يتقنون فن تهذيب الذات .. والاقبال على الحياة … لا يهابون التحدي ويغامرون .. ويرغبون في ان لا يكونوا اقل من الاخرين .. فدخول هذا المكان واجهة اجتماعية … وامر حيوي للبقاء وعدم الموت والرحيل وكاننا لم نكن هنا .

امام نافذته المطلة على الرصيف البارد تسكعت مرارا … شاهدت طبقة من الدمع تعلو عيون تجتهد في ايجاد القطعة التي تناسبها في الصحن الضيق الكائن امامها .. تمسك ادوات المائده بايدي مرتعشه او مقدامه .. كلاهما سيان .. طالما ان الافواه ستبتلع ما هو متواجد في تلك المساحة البيضاء البورسلانية اللامعة والتي تعكس بعض ملامحهم في الفراغ الذي يخلفونه في الصحن مع كل مضغة جديده .

شاهدت صمت يخيم على المكان … وحديث مستمر وكانه هذيان يصدر من شفاه ملطخة بالاحمر في رغبة لجذب شريك الطاولة الذي يستمع دون ان يعي اي شئ مما يقال ويرقب الحركة المستمره لهذه الكتلة المكتنزة في كل كلمة .. وحين تضيق به قد يقترح عليها ان تتناول بعض الطعام قبل ان يبرد .

هناك مشاركة بلا حميميه حقيقية وان حدثت فللحظات … هناك تفاهم على عدم التركيز في الامور الصغيره لاستمرار الحياة .. هناك وجع اكبر من مساحة القاعة الكبيرة .. ولكن الصدور قادرة على احتوائة رغم حجمها الصغير مقارنة به .

بعض العيون ترقبني بحسرة .. بغبطه .. دون ان يدركون بان الصقيع الذي يشعرون به موجود هنا ايضا .. ولكن الظلم هنا لا يقع على طرف اخر بقدر انه يقع فقط على شخص وحيد .. يمضي في ليل المدينه بيدين لا تمسكان اي شئ .

في الظلمة الحالكة … وفي الشوارع الضيقه .. وعند الابواب الخلفية لهذه المطاعم .. تجده هناك .. يتامل بقايا الطعام ويبحث عن شئ ما .. يتامل ولا يقترب .. وقوفه الكثير هنا .. وتعرضه لتلك الروائح النتنه .. جعل مقاومتة في دخول المطعم تحتل مساحة اكبر داخل نفسه .. لكن الجوع الابدي يظل يدفعه لشئ ما .. لذا قد يتناول جيفة ميتة .. في الخفاء .. وربما اكتفى بان يحلم بذلك .

يدرك ان عدم تناوله لاي وجبة قد يودي بحياته …ويدرك ان من اكلوا ايضا راحلون … يعلم انه قد يرحل وحيدا .. لكنه لن يكون مشغول البال عليهم … ومع هذا يبقى مشغول البال على ذاته … ان كسرت قدماه .. على اي كتف سوف يتعكز .. وان اعياه الصمت من اين ياتي بصوت لا يخيفه ان يسمعه العامة وهو يتسرب لاذنيه .

مع الوقت يشعر انه ايضا سوف يتشابه مع الجيفة التي يفكر ان ياكل … وانه قد يـُـلتهم من قبل البعض … ان استمر في وحدته هذه .. الطعام هناك .. والمكان ككل .. لا يحرك شيئا داخل روحه .. التي يشعر انها ضآلة بسببه .. لذا لا يلوم احد تماما .. ومع هذا يشعر ببعض الآسى كونه لم يؤذيها مبكرا وحده .

يعود الى غرفته وعالمه المحدود … يتلاشى ويبتعد عن الوجود …وهناك في الظلمة يتخيل ما اراد .. يضجره هذا الانحطاط .. ولكنه بات … سمة عصرية في حياتنا اليوميه .. يغلق النوافذ .. وهناك يلتهم ذاته .

Saturday, 11 June 2011

12:08 PM

~ بواسطة يزيد في جوان 11, 2011.

4 تعليقات to “حين اقتات على الجيف”

  1. الف شكر على طرح …بصراحه انها جميله ومعبره ..فوف كل ابدع هذه الكلمات .

  2. سلمت يمينك ولاجف مدادك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: