تفاعل حي

جلست الصغيره تنسج من احلامها ثياب لعرائسها ، ترتب تلك الاقداح الصغيره في بيت الدميه ، تحيا من خلالها حياة تحلم بها ان تكون كما والدتها وكل من كان لهم بيت يملكون زمام اموره وفاتها اننا كلما كبرنا اضعنا زمام الأمور !

لم ارغب ان اكون اول من يخبرها بهذه الحقيقه واختصر من سنوات حلمها سنوات ، لكن فكرت ان جعلت عمر احلامها يطول سيكون للواقع وقع اقوى على ذاتها الرقيقه ، مكثت اتأملها فحسب دون ان اتخذ قرار واضح .

غارقة في تفاصيل البيت ، وتتحدث عن هموم بسيطه تصورت انها اكثر ما يواجه الافراد ، لم تعلم ان عملية التكيف والتعايش في حد ذاتها تحتاج لما يتجاوز حدود غرفتها و مخيلتها وربما مخيلتي الغارقة في سلبية لا اعرف من اين تأتي .

هل هي البيوت التي دخلت ؟ هل هي الاسرار التي انتشرت ؟ هل هي النهايات الحزينه والتي ترى اثارها في عيون اطفال بقوا بلا اسرة متحده ؟ ، يمضون مراهقتهم وسنين استقرارهم الاولى في التنقل بين بيتين نتيجة لانفصال مباغت كرصاصة او معلوم كمنطقة وعرة لكن كان يتم تجاهلها منذ البدء .

تفصل ثياب دميتها وهي تردد ” لا اعتقد ان لأحد ما رداء كهذا ” ، بالتأكيد هي صادقه فهذا الرداء و وفق احساسها جميل ورائع طالما لم يتجاوز جدران حجرتها و لم يكن الحكم مناط بشئ سوى احساسها به ، علما انه في حقيقته قطعة زادت من رداء فصلته والدتها لذاتها وعوضا عن القاء المتبقي كانت دوما تمنحها القصاصات المتبقية من الاقمشه ، فتستعملها دون ان تكون اختيارها الحقيقي .

تماما مثل ما نتوارثه من اهالينا دون ان نشعر و دون ان يعلمون ، كالخوف الذي قد يزرعونه بنا دون ان يقصدون ذلك ، فالترهيب في التربية امر وارد كونه فعال ، والتهديد باغلاق ابواب المتع عبر الثواب والعقاب امر منطقي وسليم ، لكن اثره على نفس كل طفل مختلف ، وتحليل كل مخيلة لما يحدث ايضا مختلف .

ارغب ان المس شعرها لا حبا .. لا رحمه .. بل رغبة في منحها احساس دافئ قبل ان تاتي الايام الباردة وتصبح هي دمية تتحرك في بيت لم تختاره وان فعلت ، وترتدي قصاصات لم تكن في الاصل لها ، وتفقد بعض ذاتها وحلمها في ارجاء غرف والتزامات يوميه ربما أخذت منها اكثر مما تعطي .

اتأمل الرداء الذي صنعته للدميه مره اخرى ، هي بالفعل موهوبة ، فعبر قطعة قماش صغيره منحت لعروسها ثياب كثيره ، حين تقوم بطيه بشكل ما يصبح رداء مناسب للنهار ، وحين تدعه مسدل يصبح مناسب للسهره ، تستخدم القطع الاصغر في جعلها شال لفستان عاري حينا او حجاب للرأس في حين آخر ، هي هنا تتحكم بالشمس و القمر والليل والنهار ، فرغم الاضاءة المثبة في السقف كعين ترقبها ، كانت تتخيل الاوقات التي تريد في الساعة التي تريد ، والاجمل انها تتحدث مع الهواء كمجتمع كامل يحي و يصفق بيديه معجبا بهذه الدميه ولم اعد ادري هل بعض روحها تسلل الى داخل هذا الجسد البلاستيكي ام ان احساسها العالي باللعبة يدفعها للتفاعل معها بهذا الشكل .

رفعت بيدها فنجان صغير جدا ، لا يتجاوز حجمه طرف اصبعي وسالتني وكأن الأمر حقيقي ” اتريد بعض الشاي ؟ ” .

مددت يدي واخذت الكوب منها ، لقد استطاعت ان تدخلني عالمها ، وعبر تفاعلي معها اشعر بارتباك ، فسلوكي هذا يعزز منطقة الحلم لديها وانا اعلم جيدا كم هي الاحلام متعبه ، كما اني منذ قليل كنت اشفق عليها والآن بت اشفق على نفسي !

فاجئتني مرة اخرى حين ضحكت ، استفسرت بوجهي متسألا عن سبب هذا الضحك ، فهزت رأسها وكأنها تقول لا شئ وانصرفت للعبها مرة اخرى .

قطع انتظاري دخول من كنت انتظره ، وقبل ان يجلس بجواري ركضت هي نحوه وهمست في اذنه شيئا ، كانت ترقبني ببؤبؤ عينها المتحرك النشط بشكل جعلني اشعر ان الحديث عني ، ابتسم لها ثم جلس بقربي وتحدثنا لكن بقي بداخلي سؤال ورغبة في معرفة ما قالته رغم انها طفله وقد يعد كلامها ليس مهما لدى البعض لكن فضولي كان اقوى .

بعد ان خرجنا معا انا والشخص الذي اعرف ، ركبنا سيارته وكان الصمت يثرثر في تلك المركبة الصغيره والمنغلقة على ذاتها رغم الضجيج البادي خارج نوافذها الزجاجيه ، كان هذا الصمت ما يدفعني للاقتراب من صديقي هذا كوني اسهب في الثرثرة مع ذاتي حتى يكاد ان يرهقني التفكير و رأسي ، معه اشعر ان ثرثرتي تصبح اقل و ابدو اكثر هدوئا ، سالته وبلا تفكير ” ما الذي قالته لك تلك الصغيره عني ” .

اجاب مبتسما ” انها مندهشة كونك صدقت ان القدح به شاي وشربت من الفنجان الخالي ولم تميز ان هذا لعبا وحلما فحسب ” .

ابتسمت وراقبت الزجاج الامامي العريض ، ربما هي كانت مشكلتي منذ البداية اني اصدق الحلم و اتفاعل معه اكثر من الواقع ، بل واعيشه حتى الهروب من كل شئ ، ربما انجذب له لانه لا يحتاج اكثر من التخيل ، لذا قد يكون التفاعل الحي مؤلم لي  وابدو جاهل في اساسياته ، خاصة واني كنت احلم وحدي دائما ، لذا قد صعبت علي المشاركة في بعض الاحيان وان قمت بها تجملا ، وربما لهذا دائما ما اضع ذاتي اولا كوني لم اعش سوى لها بشكل او بآخر ، سرقتني الافكار الى ان توقفت العربة وافترقنا .

عدت للبيت .. لغرفتي المليئة باشباح تشغل تفكيري لا دمى ، تمددت على سريري الذي بات يضيق بي رغم اتساعه باحثا عن النعاس الذي داعبني اثناء التنزه ثم اختفى ولم يدخل معي من باب المنزل ، ارقب الارق وهو يكبر في الظلمة و يشعل اضوائه الغير منيره ويتجول في جنبات الحجرة دون ان اراه بشكل يمكنني من قتله ، في هذه الليلة ثرثرتي مع ذاتي كانت كثيره و مرهقة رغم انها مكرره ككل شئ مكرر في حياتي و كالعادة كنت انام بصعوبه ثم اصحو في الغد و دون ان اصل لشئ حقيقي .

اضافه :

اسم اللوحة : “Girl and Doll”

ريشة : Carolyn Anderson

~ بواسطة يزيد في فيفري 29, 2012.

9 تعليقات to “تفاعل حي”

  1. إيقاع القصه أقوى من المضمون , أشتد إعجابى بعزفك على أوتار محدده بموهبة تحسد عليها فلا أنت استمريت على رتم ثابت ولا انتقلت الى وتر ” حاد ” يعيد القارئ لنقطة البدايه.

    اسمح لى بتشابه بين قصتك و قصه اكملت 36 ساعه ,, بطلتها صغيره و جميله و ذكيه بحظ عاثر تمثل بأبوين نمطيين , بكل نشاط لها يقتله احدهم بصيحه أو تهديد أو حرمان و اقرأ بعينها بداية توحش و إنتظار .. لمخالب تنمو و تعرف هدفها مسبقا .

    قلت له: امضينا 12 عاما بما فيها دفعنا ثمن أخطاء من سبقونا بثقافة انتهت بنهاية أصحابها فلماذا تزيد من ضحايا محرقة التخلف و الجهل فردا , بدأني الرد بأن هذه هى التربية السليمه و بإشتداد الجدال أنهانى بسلاح ” الخصوصيه ” .

    مشاعرى متناقضه .. عبارتك تضعنى بمنتصف إختيار .. ما بين عودة لها و محاولة لإنقاذها و ما بين سور خصوصيه لا يفهم أبجدية الحياه.

    صباحك جورى

  2. اعتذر ان وضعك ما كتبت بمنتصف اختيار كلاهما قد يكون مزعج بالنسبة لك .. لكن المؤكد اني احببت قرائتك للنص وتحليلك .. شكرا لك واسعدك الله بكل ما تود تحقيقه .. وصباحك همه وعزيمه وتغيير للافضل باذن الله .

    • أبداَ يزيد فأنت أحسنت و لم و لن تسيئ فكلا الإختيار بها الجميل و القبيح الفرق .. بأن أولهما يأتى بنفس سابق الترتيب و الثاني بعكسه .

      أما دعائك فأظنه مستجاب .. فالخير حصل و أتمناه لك و للجميع بلا إستثناء

  3. النص فاق اللوحة جمالاً قرأته أكثر من مرة وفي كل مرة يجذبني شيء مختلف ،  ما احببته جداً هو  أنك تعلم ما لا تعلمه هي و تشعر بما لاتشعر به ورغم ذلك حاولت أن تكون متفقاً مع حلمها بشربك من اقداح الشاي الصغيرة وانتقالك إلى لحظة خيالية نسجتها هي لعالم الدمية ولك .. الشعور الذي وصلني من بعض المقاطع في النص أن كلاهما يريدان البقاء للحظة بجانب بعضهما رغم أن الخيال والواقع قد لا ينسجمان كلياً حتى مع المحاولة لكن دورك مميز حينما أخفيت كل مخاوفك وتراكمات ما عشته أو سمعت عنه لأجل حلمها .. وغضبت من ضحكها واعتبارها أن ذلك مجرد لعب . لا أدري أشعر اني لا اتفاعل مع مثل هذه النصوص بالشكل الصحيح أتحيز لشيء دون النظر بطريقة تشمل كل ماكتب .. لكن الأكيد أني أحببت ماكتبته وجذبني لأكثر من مرة كما قلت .  

    • ملاحظة :
      غضبت من ضحكها واعتبارها أن ذلك مجرد لعب ، عبارة عائدة إلي فهو شعور زارني أثناء القراءة .

  4. حتى قرائتك للامور مختلفه ومميزه مثلك ,, لا تخلو من شفافيه وتفاعل حي عالي الاحساس .

  5. مابين السطور مؤلم جدا ..

  6. ريم .. دائما الاشياء المتواريه هي الاكثر ايلاما .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: