مع أو ضد فتاة الهيئة !؟

وصلني رابطا لملف فيديو صورته فتاة لأحد رجال الحسبة ، أو  أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .  عبر المشاهد التي عرضت كان صوت الفتاة هو الأعلى ، ولم تظهر على الشاشة اطلاقا ‪ .‬
‪ ‬
هي هددت رجل الهيئة بأنها نشرت الفيديو على التويتر والإنترنت ، وأنه سيصلُّ إلى رئيس الهيئة ، علقت  ” كلّ هذا لأجل وضعي لطلاء أظافر ! ” .

استدعت أحد أعضاء الشرطة لتخبره أن الرجل قام بالتحرش بها او مضايقتها ،  فأخبرها رجل الشرطة و بناء على القوانين التي يعرف أنّ هذه جهة رسمية تؤدي عملها فحسب ‪ .‬
‪ ‬
‪ ‬لقد حاولت الفتاة أن تدين عضو الهيئة بشكل أو بآخر ،  وضعت ذاتها في نقطة الضوء دون أن تظهر حقا ، أظهرت مدى فهمها للقوانين الموضوعة بشكل مبسط ،  و مدى رغبتها في أن تُطبق بالشكل الذي يرضيها لا بالشكل الذي وضعت له مرددةً  ” مالي دخل ” . إنّ أمراً مثل هذا قد يقلل من قضيتها إن وجدت ، و يسخّف منها  و منه و من الحدث ككل ‪ .‬
‪ ‬
الغريب أنّ كل ما حدث لم يستوقفني أو يسترعى انتباهي بالقدر ذاته الذي فعلته  بعض ردود الأفعال التي قرأتها في اليوتيوب ، أو مواقعٍ آخرى  . لقد ادهشتني كونها اتّخذت مواقفاً واضحةً ، محددةِ الاتجاه في قضية لم نرَ أو نسمع بها إلا من طرفٍ واحد‪ .‬
‪ ‬
هذا السلوك حرّك بعضَ الخوف لديّ خشية أنّ يكون بعض هؤلاء الأشخاص يوما ما أحد أطراف الحكم في قضيةٍ قد تلمُ بي فأُظلمُ ، و ما زادني حزناً أنّ أول من سوف يتأثر بهذا الظلم لاحقا هم هؤلاء الناس كونهم تسرّعوا ولم يفكروا في أي مكان وضعوا أنفسهم‪ .‬
‪ ‬
المشهد ظلّ ناقصاً ، فنحن لم نرَ كافة ما حدث خلال هذه الدقائق المعدودة ، الكلامُ الذي قيل استمعنا له مبتورا، وليس مسترسلا بترتيبه الذي قيل به ، أما الفتاة التي صوّرت ورفعت العمل  ظلت أمراً متوارياً ، بجملة اخرى أننا لم نقع على طبيعة الإشكال الذي وقع بينها و بينهم بشكل فعلي‪ .‬
‪ ‬
كما أنّ الاحتمالات الواردة كثيرة ، وفي ظلّ الاحتمالات لا شئَ مؤكد ، كثرٌ هنّ السيدات و الآنسات اللواتي نراهن في الأسواق يضعن طلاء أظافر أو ما شابه ذلك ، ولم يتم إيقاف أحدٍ منهنّ ، وهذا أمرٌ واقعٌ قد ينفي ما قالته الفتاة و لكن لا يفنّده تماماً ، فهناك احتمالٌ آخر أن يكون الشخص الذي يعمل بجهاز الحسبة مسيئاً للقطاع الذي يعمل به تماما كالمهندس أو المحاضر أو الطبيب الذي يترك من خلال سلوكه انطباعاً سيئاً لدى الآخرين عن أبناء مهنته أو وطنه .  إذن هي احتمالات تدور داخل رؤوسنا لكن لا نقرّ بها كحقائق و نتفاعل معها، كونها تحليلات و تفسيرات تسبح في دائرة الظنون‪  ‬‬.

تعلمت مبكرا انّ من قال ” لا أعلم او لا ادرى ” فقد أفتى ، لذا أدهشني أن يوجد بين الناس فئة – في ازدياد – تستسهل الحكم على قضايا كثيرة – لا هذه القضية فحسب – وأخذ ردة فعل سريعة بناء على تجاربهم الخاصة أو الصور النمطية التي لديهم أو الانطباع المتكوّن مع الوقت . فئة تتحرك وفق دوافع عديدة و بعيدة تماما عن حقيقة الموقف ذاته‪ .‬
‪ ‬
فئةٌ تنسى أنّ الخللَ لا يسكن جسداً واحداً ، بل يقطنُ أشياءً كثيرةً بدءاً من نفسيات الأفراد المشاركين بالحدث وصولا إلى لغتهم و أسلوبهم و التزامهم بالقوانين و الآداب العامة انتقالا الى المجموعة المحيطة بهم  ، و ردود أفعالهم أمام هذا الموقف ، فئةٌ تلتقي مع شاهدِ الزور في نقطةٍ حين تقول ” معها حق ” أو ” معه حق ” و هي غائبة تماما عن المشهد‪ .‬

لقد حزّ في نفسي أن لا يكون للإنسان احترامٌ ، و أن لا يكون لجهاز الشرطة هيبةٌ ، و لا لجهاز الهيئة تقدير ، مؤسفٌ أن يصبحَ الموقفَ أقربُ إلى أهل يقفون مع صغيرهم ، يجادلهم و يجادلونه في مكان عام بشكل يسئ لكليهما ، و لأجل سببٍ من المؤكد أننا لا نعلمه ،  لكن في كل الحالات ندرك أنه بالإمكان معالجة كافة الأمور دائما بشكلٍ أفضل مما حدث ، إنّ التزم كافة الأطراف بالقوانين والآداب العامة سواء في الحوار أو التخاطب أو التعامل كونها الضوابط التي نحيا بها‪ .‬
‪ ‬
المشكلةُ أن هذه الضوابط مؤخراً لم تعد ثابتة كالسابق ، فهناك محاولات دائمة من أجل التأثير الدائم عليها بشكل سريع  ، و التغيير منها لا تطويرها بشكلٍ متدرج و طبيعي ، مما يخلّ بها ، وأكثر ما يخلّ بها هي رغبة كل شخص بفرض قوانينه الخاصة و الفردية على الأغلبية تحت مسمي التطور أو التمسك بالعادات أو الحرية ، سعيٌّ مخيفٌ لفرضِ أجندةٍ معينة دون النظر في اختيارات المجتمع فعلياً و رغباته الحقيقية‪ .‬

إننا نجد اليوم قبائلاً و عوائلاً تنتمي للجذر ذاته لكنها منقسمة فيما بينها ، بعضها  متشدد إلى حدّ الغلو ، والبعض الآخر منحلٌّ إلى حدّ التفكك و الضياع ، و الجزء الثالث يحاول دائما أن يكون أكثر وسطية و اتزانا في زمن مرتبك بسبب اضطراب أهله‪ .‬
‪ ‬
كل فئةٍ من هؤلاء ترى أنها ووفق منطقها و إحساسها بذاتها هي الأمة الوسط ، علماً أن الوسط واضحٌ جيدا لمن أراد أن يراه ، هذه الأسر بطرفيها النقيض قد تجني على أبنائها حين لا تعلمهم أول أبجديات الحياة وهي مراعاة القوانين العامة و المتّبعة و القائمة و الواضحة لأي اجنبي قادم لبلادنا حتى قبل أن يزورها .

لذا من المستنكر أن يغضب أو يحتدّ المخالف لهذه القوانين إن تلقّى لفتَ نظرٍ أو تنبيهٍ بسيط ، علما أنه و في دول آخرى قد تجدّه أكثر الناس سعيا للالتزام بالنظام الصارم  ، أو الذي يفرض غرامات مالية  و عقوبات تصل إلى حد السجن حتى و إن كان لأجل أمرٍ يراه هيناً و غير مقتنع به مثل رمي علكة في قارعة الطريق ‪  .‬
‪ ‬
إنّ هذا التجني بات يمتدّ بمرور السنوات إلى أشياء كثيرة ومقدّسة لدى عامة الناس ، ألا وهي الدين و الوطن ، يحدث ذلك لاضطراب المفاهيم لدى فئة كبيرة منهم بالاضافة إلى وجود خلل ما في شخصهم أو في البيوت التي ظهروا منها .

تجد فئة تنتمي لأسر صغيرة أو عائلة ممتدة حين توجّه أو تربي لا تشرح أو توضّح ، لا يقولون لابنائهم نحن نريد منكم فعل هذا أو ذاك ، لأجل كذا وكذا ، بل يسندونه دائما إلى الآخر فيرددون أمامه أن الدين يفرض  أو العرف و التقاليد تحتم دون إبداء الأسباب أو شرح الحكمة من وراء ذلك .

هدفهمُ الأهم هو الاتباع و الانصياع و في أسرع وقت عوضا عن الفهم و الاقتناع للاستمرار في تطبيق ما قيل طول الوقت‪ .‬

لذا قد تجد بعضهم يتخلى عما طبّقه لسنين عند أول فرصة متاحة ، إنها مشاكلٌ قد تحدث في البيوت لكنها ليست مشاكلاً يأتي بها الدين أو تنمو كنبتة الكمأة فوق أرض الوطن .

في زمننا هذا بات من السهل جدا تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، و وضع الأمور في غير نصابها ، قد تجد أحدهم يردد كانت حياتي في وطني تعسة عوضا عن أن يقول كانت حياتي مع عائلتي تعسة ، متجاهلا أن الوطن أوسع من أفقه و حدود بيته ، وأكثر امتدادا.

يروي أنّ الديانة الإسلامية فرضت عليه لا مدرسه المتشدد أو والدته المتزمتة ،  تجده يمزق لوحات رسمها بيديه ، ثم يعود بعدأعوام ليشتكي في مؤتمر عن الحريات من الوطن ويدينه رغم احتضانه لرسامين سواه عبر المعارض المقامة و كليات التربية الفنية المشرّعة أبوابها للجميع ، يلوم الدين و الأحداث و شخصيات بعينها ما عدا يديه و بيئته الصغيرة التي يحب وربما سببت له كل هذا الاضطراب و أكثر .

لم كثرت قضاينا التي تقزّمنا ، لم بتنا نتشاغل بها عن قضاينا الأهم والتي تبدأ بمواجهة أنفسنا ، لم بتنا ننصرف عن الأهم ونركض خلف الأقل أهمية ، لم كان الدين معينا لنا طوال سنوات طوال ، منذ بدايته و حتى ازدهار حضارتنا في الأندلس ، و بات اليوم لدى بعضنا نقطة ارتدادنا للخلف وعدم تطورنا !؟

إنّ ما حدث لم يكن مشهدَ فيديو عابر بالنسبة لي ،  بل كان أقرب إلى وقفة تأمل في كل ما يحيط بنا ، بدءاً من تضجّر البشر من حياتهم اليومية وتجاربهم العادية  ، و وضع الكثير من إشكاليتهم تحت مظلة الدين ، إلى حكمهم على الأمور والأشياء لا وفق ما حدث فعلا بل وفق ما يشعرون به و يتبنونه عاطفيا .

البارحة قرأتُ تغريدةً كُتب فيها  ” في السعودية حين يُعتدى على امرأة يتساءل الناس ربما فعلت شيئاً تستحق هذا الاعتداء . يحاكمون الضحية ويتركون الجلّاد. لأنهم يخافونه ” هنا نطالع جملة عاطفية تفيض بالإنسانية و تؤثر بالمشاعر ، لكنها أيضا لا تخلو من نقاطِ ضعف لا يتقبّلها عقلي .
أولها التعميم كونها تحصر هذا السلوك جغرافيا في وطن محدد ، متناسية أن الخوف وعدم العدالة من سمات السلوك البشري أي صفة لا ترتبط بجنسية محددة أو وطن ، تماما كالشك و سوء التهذيب و قلة الذكاء و شدة الغباء .
كما أنّ في العبارة ذاتها استنكارٌ على الإنسان أنّ يمارس أهم ما يميزه ، ألا وهو استخدام عقله كي يصل إلى قناعات خاصة به تبدأ عادة بـ ” يتسآل ” للمعرفة ، و ” ربما ” لوجود الشك وعدم اليقين ، وعبر هاتين الصفتين يبحث العقل المفكر و يتأمل و يحلل إلى أن يصل لحكم منطقي و عاقل و عادل في الشئ الذي يبحث عنه .

كما أنها جملة وضعت الجلّاد في وضع الجاني ، علما أنه في حالات معينة يكون أداة تحقيق العدالة عند تطبيق شرع الله على الجاني لا الضحية .

في  ظروف مثل هذه تختلط بها الأشياء .. لا تكن مع و لا تكن ضد .. بل كن مع نفسك واربأ بها أن تنزلق في أمرٍ لم تلمَّ به ولا تعرف عنه شيئا .

 

اضافة :
+ مقولة من قال لا اعلم او لا ادري فقد افتى ليست حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم ، للمزيد اضغط هنا .

~ بواسطة يزيد في ماي 26, 2012.

4 تعليقات to “مع أو ضد فتاة الهيئة !؟”

  1. لستُ ضد أو مع ، أنا فقط أتأمّل ما وصلنا إليه . هذا الموقف يقود إلى سلسلة من الملاحظات :
    ١- لا مجال للحكم على صحة أو عدم صحة موقف أحد الطرفين ، فالموقف وصلنا مبتوراً ولم نرَ منه إلا أسوء مافيه .
    ٢- يُفترض بمن هو أعقل وأكثر حكمة أن يكون أكثر إنصافاً فلا يتسرّع في الحكم بقدر ما يبحث عمّا وراء الأسباب .
    ٣- جاء في الحديث الشريف : (( إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق وإذا أحب الله عبدا أعطاه الرفق ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا )) . إذن لو كان أحد الطرفين سلك مسلك المترفقين لكانت النتيجة أفضل وأكثر احتراماً .
    ٤- أما بالنسبة لمن ذكرت ، وهم قوم ( مع الخيل يا شقراء ) فهم للأسف كُثر ، وفي كل مرة يعود السبب إلى عدم التثبت والتأني ، وعدم إدراك مسؤولية الإنسان أمام كل كلمة يقولها .
    نسأل الله الصلاح والهدى والثبات على الحق ، وأن يغفر لنا زلاتنا ، ويعفو عن خطايانا ، ويعيننا دوماً على الخير ، والمسلمين آجمعين يارب .

  2. أنَا ضدَ الفتاةْ , وضدْ كلْ من طرحَ رأيًا مُحايدًا .. أو رأيًا معارضًا لموقفْ رجالْ الهيئةْ .. ولا أكترثْ لما قدْ يقولهُ عنيّ أحدْ .. الوضعْ يزدادْ سوءًا القضيةْ أكبر منْ أنهُ ليسَ لرجالْ الهيئةْ تقديرْ , وليسَ لرجالِ الشرطَةْ هيبَةْ .. القضية هيَ أنَهُ لمْ يعدْ للدين ولا العادات ولاَ لوليّ الأمرْ أي قيمَةْ ..

  3. في هذه القضية و في غالبية القضايا التي تكون المرأة طرفا فيها لا صوت يعلوا على صوت العاطفة و لهجة(مسكينة المرأة), أنا لا احبذ هذه اللهجة لأنها تتعامل مع المرأة و كأنها كائن ضعيف لا إرادة له,في نفس الوقت,تعرضت قريبتي لموقف سئ جدا مع أحد رجال الحسبة و ناصحها بأن تحفظ عرضها فقط لأنها كاشفة لوجهها.العلاقة المضطربة مع الهيئة لن يحلها سوى قوانين واضحة و مكتوبة تحفظ حقوق الجميع,دونها سيظل الموضوع خاضعا للأهواء و التقديرات الشخصية.
    مقالةمتوازنة جدا,أشكرك

  4. اشكر لك اضافتك هتون واضافة كل من كتب سطر اعلاه .. دمتم بخير .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: