.. البيانولا
- بداية ..
” انا قلبي مزيكا بمفاتيح .. من لمسة يغني لك .. تفاريح … ! ” .
- باختصار مسهب !
كلمات نظمها الفنان الراحل صلاح جاهين و غناها خلال فترة الخمسينات الميلاديه .. عبر برنامج جرب حظك الذي يقدمه الإذاعي طاهر أبو زيد .. حيث كان يستضيف مواهب جديدة .. و أسماء غير مشهورة .. يدرك بأنها تشبه الجمهور و قريبة له .. متجاوزاً الفكرة السائدة بأن الإذاعة يجب أن لا يظهر بها إلا الصفوة و المشاهير .
لحن الكلمات شاب ضرير أسمه سيد مكاوي .. سعى في بدايته لأن يكون مطربا .. و قد كان في آخر العشرينات من عمره .. بينما الشاعر يصغره بما يقارب الخمس سنين .. حدث كل هذا قبل أن أعرف أنه كاتبها .. و قبل أن أشتريها .. و بفترة تتجاوز ربع قرن من الزمان .
في بداية مرحلة الثمانينات الميلادية .. و في غرفتي .. جلست بحماس أنزع الأغلفة البلاستيكية عن أشرطة كاسيت اشترتها لي والدتي بعد أن انتقيتها حين خرجنا معا في عصر ذلك اليوم .. كان من ضمنها شريط سعدت به قبل أن أسمعه .. فهو ليس لمطربة معروفة أو مغنية شهيرة .. بل لممثلة أحبها .
على غلاف الشريط كتب ( اسعاد يونس و فرقة ” عزت الألاتاوي ” ) ، في ذلك العمر أعتقدت ضمنيا و ببداهة تلقائية إنه عزت أبو عوف .. كوني كنت أستمع لفرقة ( الفور أم ) و أحبهم أيضا .. و قد فسرت الأشياء بطريقة تفكيري في ذلك العمر .. فلا يوجد شئ لا أعرفه .. نسبت لقب الألاتاوي الى الآلات الموسيقية .. وتخيلت أنه كنية .. مثل ليلى ذات الرداء الأحمر .. الأميرة النائمة .. الشاطر حسن .. السندباد البحري .. و بالتالي .. هو إذن .. ألاتاوي !
حين إستمعت له .. إستمتعت به .. و كان لكل أغنية تأثير .. ” وزة بركات ” تبهجني و تدفعني للحركة .. قصة ” أبو زعيزع ” تضحكني .. أما اغنية ” ياللي تحب الفن وغاوي .. ” و أسمها الأصلي عزت الألاتاوي .. فتحملني لخيمة بها مسرح متواضع و صغير .. يذكرني بمسرح نعيمة وصفي و توفيق الدقن في فيلم المتوحشة .. يعرض كل شئ .. و أي شئ .. لضمان الحد الأدنى الكافي لشراء وجبة العشاء .. استشفيت ذلك من نبرة التوسل في صوت اسعاد لأجل الدخول .. ادائها رسم على وجهي ابتسامة و بكل سهولة .. تماما كأغنية ” دنجي .. دنجي ” التي غنتها بلهجة تقع ما بين المصري و السوداني .. بها الألفاظ تنطق بلكنة و تقطيع معين .. لتجعل من الإستماع و محاولة معرفة الكلمات متعة ما بعدها متعة في ذلك الوقت .. خاصة بوجود هتاف و أصوات حماسيه مفاجئة … أغنيات مثل ” الاديب الأدباتي ” ، ” النيل ” ، ” على قد الليل ” .. من المؤكد أن بها جهد و أجتهاد .. لكن لم تأخذ وفق ذلك السن حيز كبير من أهتمامي .
بقيت أغنية ” البيانولا ” من بين أغنيات الشريط مختلفة .. استطاعت أن تثير بي أحساس عميق بالتأثر .. و المشاركة الوجدانية المبكرة .. دفعتني للتعاطف مع تلك الشخصية التي تغني .. فهو العازف المعدم .. الذي تعبت قدماه من البحث عن حبيب أو صديق .. قد لا يملك أن يقدم له شيئا سوى فسحة في هذه الطرقات الواسعة .. يسير معه .. يحدثه ليهرب من وحدته .. يستمع له ليشعر بحقيقة وجوده .. ذلك الوجود الضعيف .. الذي قد يغدو أقوى و أكثر مرحا ًبوجود ذلك الغائب .
أعدت الاستماع لها مرارا .. و حفظتها سريعا .. وكانت أغنيتي التي لا تمل في ذلك الوقت .. و مع الوقت انشغلت بأغنيات سواها و أعمال اخرى عديده .. و بقي الشريط بلونه الأبيض كقلب عازف البيانولا .. و الأزرق كدموعه التي يخفي .. مختبئا في احد الأدراج لسنوات طويله .. تغيرت بها غرفتي أكثر من مره .. و أتت أحداث كثيرة .. وبقي هو كما هو .. لحن نائم فوق بَـكرة نحيلة غامقة .. تمتد عبر الثقوب … و تختفي حين تلتف على ذاتها .. لها ملمس ناعم .. و لمعانها لم يبهت مع الوقت و إن علاها الغبار .. إنه شريط قد يبدو شبيها بالأشرطة أخرى .. لكن يبقى له أمتداده الزمني .. و تجربته الشخصية .. وشخصيته الخاصة .. تماما ككل شريط .. تختبئ خلف ملامحه الخارجية قصص منسيه .. و ذكريات عديدة .. صعب أن تحصر .. لكنها حدثت .. و حفظت .. و كأنها طبعت فوق شريط آخر !
- نهاية ..
اليوم لمحته و أنا أرتب أحد الأدراج .. طالعني كوجه قديم .. به الثقبين تجويف عينان .. شعرت أنه قد يغدو جثة .. نتيجة لشدة و ضراوة التطور من حولنا .. ذلك التطور الذي يسطحه البعض باتباع كل ما هو جديد فحسب .. دون الاهتمام بكل ما هو قديم و مميز و ثري فنيا أو أنسانيا و صبه في قوالب حديثه لتداوله و الحفاظ عليه .. تأملته و شعرت أن الأغاني التي به هي بعض عمري و لحظات من حياتي .. لذا حرصت أن لا ينتهى اليوم دون أن أستمع لها .. و أسجل هذه الأغنية .. و أضعها هنا .
اثناء استماعي ابحرت في النت للبحث عن شئ عنها أو حولها … أي معلومات حول الفكرة كيف بدأت .. أي تفاصيل .. تضيف لهذا الموضوع الذي أعد و أكتب .
خلال بحثي وجدت العمل بصوت الشاعر … و أحببت أن اضيفه هنا .. كوني معجب بتجربتة .. و أحساسه .. و بعض جمله الغارقة في البساطة و الأنسانية .. و القادرة على التسلل الى أعماقي .. و العبث في تكويني و وجداني .. بنعومة و سهولة و دون أن أشعر .. تماما كالهواء الذي نتنفس .. !
أيضاً في التسجيل أحببته .. و أحببت جدا تلقائيته .. وشروعه في الغناء قبل بدايته .. ثم استدراكه لذلك بترنم يتجاهل ضحكات الجمهور له … كان يتصرف بطبيعة طفل يعدو ببراءة و بحماس فطري لذا قد يسبق ذويه .
ثم جلست أرسم متعة بالرسم .. و ألون بحثا عن الاسترخاء .. وفي النهاية أخترت الصورة التي في أعلى الموضوع لأرفقها به .. فجزء منها بدأته و أنهاه أخي .. و في هذا التعاون عاطفة و صمت .. و حب .. شكراً لأسعاد يونس على الأيام التي لونتها بصوتها المعبر و أحساسها الجميل .. ورحم الله الملحن و الشاعر و تلك الأيام الجميلة .
- كلمات الأغنية ..
أنا دبت و جزمتي نعلها داب .. من كتر التدوير ع الأحباب .. يا سلملم لو أعتر في حبيب .. كنت أرقص من كتر الأعجاب .. كده هو .. كده هو .. كده هو ..!
أنا قلبي مزيكا بمفاتيح .. من لمسة يغني لك تفاريح .. مع إني ما فطرتش و جعان .. ومعذب و متيم و جريح .. بتنطط و أتعفرت و أترقص .. كده هو .. كده هو .. كده هو ..!
بيانولا و ألابنضه و حركات .. إطلعي بقى يا نصاص يا فرنكات .. أنا عازمك يا حبيبي لما ألاقيك .. على فسحة في جميع الطرقات .. نتنطط .. نتعفرت .. نترقص .. كده هو .. كده هو .. كده هو ..!
شوف .. لم أسمع العمل حتى الآن ” المود رافض ” ..
اللى خلانى أعلق هو إنه بالثلاث أيام السابقه لنشر هذه التدوينة و الكلمات هذه ملازمتنى
كان يا ما كان
العم نوح
رغم الجروح بيخطى عتبه حيينا
نفس المكان
اخر النهار
واحنا الصغار ع البيانولا يلمنا
وياخدنا يلف بينا
بين طرقات المدينة
انا وانتى وف عنينا
الامانى تضمنا
وياخدنا يلف بينا
بين طرقات المدينة
نخفي الفرحه ف عنينا
لا الليالي تصدنا
..
نكبر يادوب
نحلم نعيش
بجناح وريش بين الدروب والازمنة
وندوب ندوب
فجر وغروب
والعم نوح
رغم الجروح بيضمنا
وياخدنا يلف بينا
بين طرقات المدينة
انا وانتى وف عنينا
الامانى تضمنا
..
وف يوم حزين
العم نوح
اللى الجروح ملياه جروح
راح فى المسا
وبكيت بكيت
لما التقيت
زينة البنات
وسط الزينات وانا بتنسى
ولقيتنى لوحدى راجع
بالحلم وبالمواجع
احبى فى حجر الشوارع
اللى ضمت خطونا
وياخدنا يلف بينا
بين طرقات المدينة
انا وانتى وف عنينا
الامانى تضمنا
وياخدنا يلف بينا
بين طرقات المدينة
نخفي الفرحه ف عنينا
لا الليالي تصدنا
الأغنية إسمها .. البيانولا لمصطفى قمر من ألبوم لياليكي ب 1993 > ماصارت سنة ( ت )
لا أمزح .. القصد بإن إحساسك تجاه ” بيانولتك ” هو نفسه تجاه ” بيانولتى ” وجدت نقاط إلتقاء مثل فرقة الفور إم و وصف مشاعرك تجاه إسعاد يونس , وصفك للبيانولا هو الأقرب لى .
و كعادتى .. أختطفت التدوينة لاكنها فى راس صاحب البيانولا .. هو اللى جمعتنا ( ت )
o7447o said this on أفريل 20, 2013 في 7:03 ص |
🙂 اذكر هذه الاغنيه .. واذكر اين سمعتها .. في بيت صديق لي .. ذات نهار مضى .. ومضت معه ايام عديده .. وصديقى ظل في ذاكرتي .. وغاب عن واقعي !
يزيد said this on أفريل 20, 2013 في 9:04 ص |