رسالة إلى عمر خورشيد
البارحة أمضيت وقتاً ليس بالقصير معك ..استمعت الى الموسيقى التي وضعت لبعض الأفلام .. و أستمتعت بألحان عالمية شهيرة و كأني أستمع لها لأول مرة !
لك مقدرة على الخلق .. و صناعة البهجة في النفس و نقلها من حال الى حال برنة وتر .. حباك الله موهبة .. و عمراً قصيراً .. تفجّرت به .. و أبدعت .. و كنتَ حالة خاصة .. لم تشبه الآخرين .. و لم ينجحوا في أن يشبهوك .. كنت نجما .. أضاء و توهّج .. و مع الموت يأتي الفلول .. و أحيانا لا يأتي !!
فبعض ما بنا يخلدنا … موهبتنا .. انجازاتنا .. الأعمال التي نتركها ..نخلفها و نمضي .. لنعيش عبرها و بداخلها .. لسنوات عديدة بعد رحيلنا .
في عيني أنت أيقونة من أيقونات مرحلة السبعينات الميلادية بكل ما فيها من موسيقى حالمة .. غارقة في الحنين .. أو راقصة .. مرحة .. تسابق السنين .
أنغامك كانت تضيف .. و تزّين الجمل الحوارية في الأفلام السينمائية .. تمنح المتلقي بعداً .. و تساعد الممثلين على إيصال الحالة التي يعيشون لنا .
أخذتني معك لساعات طويلة .. بها أصغيت إليك و قرأت المزيد عنك .. بحثت في فضاء النت الرحب و متاجره المشرّعة بلا أبواب عن ما ينقصني من أعمالك لأضيفها الى مكتبتي التي تصورت أنها تحمل كل ما أنتجت !
أقتنيت المزيد من إسطواناتك القديمة التي تعمل بالإبرة .. لأعيش ذلك الزمن بشكل تام .
استرعى انتباهي بعض الأسعار المرتفعة التي تباع بها تلك الإسطوانات مقارنة بغيرها .. و لم أشعر لوهلة بأن أعمالك لا تستحق ذلك .. لكن ما أدهشني أن يمتلكها البعض و يفرّط بها !
كما وجدت أثناء بحثي إصداراً جديداً لك ..!
إنه أحد تلك الإسطوانات القديمة المكونة من اسطوانتين بأربعة أوجه .. طبعت كـ C.D في أحد المتاجر الأجنبية و بنفس الطريقة .. إسطوانتين منفصلتين في علبة واحدة و زُينّت بصورة الغلاف ذاتها .. فقط تم تنقية الصوت و تحديثه لذا اشتريتها فوراً و دون أدنى تردد .
لم تزل عملة رائجة .. حصان رابحا .. مطلوبا .. مرغوبا .. و مُفتقداً رغم وجود ألحانك و موسيقاك … المكان الذي خلقته لذاتك … لم يزل شاغرا .. و لا أتصوّر أن يأخذه أحد .. لأنك – كما قلت لك – حالة خاصة …. أنت لم تستخدم آلة الجيتار فحسب .. بل أحببتها … صادقتها .. كنت مخلصا لها فأخلصت لك .. و لا أدري لم أتخيل أن جيتارك إلى اليوم قد يبكيك .. !
عاش لثلاثة عقود بعد رحيلك يفتقد أحضانك .. وهل عاش حقا !!؟
هل ترى في صمته حياة .. و في سكون أوتاره نبضاً … !؟
في مثل هذا اليوم .. فارقته بلا وداع .. و دون لمسة أخيرة …كنتَ قد عبرتَ في شهر إبريل بوابة عامك الخامس و الثلاثين .. ماضيا لبوابة عامك السادس و الثلاثين .. و لم تسر في دروب الزمن إلا خمسين يوما ثم اختفيت فجأة .. كما تُقطع الكهرباء بغتة .. و تُطفئ شفاه الريح شمعة .. مضيت .. لكن بقيت بداخلي .. دون أن أختار .. أو أعلم .. أو تدري !
و ياليتك تعلم كيف تسللت أنغامك لي للمرة الأولى .. و كيف أثرت بي دون أن أعرف اسمك .. !
لستُ أدري كيف حدث هذا .. لكنه حدث .. و بشكل يفهمه الشعور و يدركه الأحساس .. ويعجز العقل في ترجمته .. و تتعب اللغة وهي تحاول أن تعبّر عنه بكافة حروفها .
كان شيئا يشبه الإقتحام .. لكن بلا معركة .. أو هجوم … و لم يكن عنوة .
ذات طفولة .. وفي صباح ضبابي بمدينة لندن البريطانية .. في ساعة مبكرة و غرفة منسية .. بالقرب من زجاج النافذة البارد .. و أمام زجاج الشاشة جلستُ بعيون ترقب كل ما تراه على الفيديو .
كان الشريط يضم حلقات مختارة من الفوازير التي قدمتها نيللي .. و كنت أحب مشاهدة تلك الاستعراضات لما بها من مرح يدخل السرور إلى نفسي .. الى أن أتت مقدمة فوازير عام ١٩٧٨ .. ” أنا و أنت فزورة ” !
رغم المرح البادي بها كانت مؤثرة .. و بها شئ مختلف عن البقية .. شئ ينعكس على روحي الطفلة .. و يمنحها مشاعراً متفاوتة في لحظات معدودة .. شئ دفين ينبع من الموسيقى و قدرتها على ترجمة الكلمات و بشكل يتفاوت و يختلف عن المقدمات الأخرى .. بإحساس قادر على أن يثير شجنا ما … حزنا … حنينا … صدقا لا أعلم .. !
لكنه كان شيئا لا يُنسى .. دفع قلبي الصغير إلى الانقباض و التعلق بما كان يسمعه و يتأثر به .. و للتحديد مقطع كانت تتحدث فيه نيللي أكثر من كونها تغني .. يتداخل معها في الأداء صوت رجلين .. أحدهما يتكلم و الآخر يقوم بدور الصدى .. كان ذلك صدقا يؤثر بي .. لا سيما و أن كلمات ذلك الجزء القصير كانت صادقة و معبّرة .. بها من الواقع و حياة كل إنسان الشئ الكثير .. جُملة بسيطة و ربما غير صحيحة لغويا .. لكنها قادرة على أن تلامس الروح و تصل إليها بسهولة .. عبارة تقول :
” ح أقابل مخلوقات .. من كل الألوانات .. سبحانك .. ياللي خالق .. الناس بكل الصفات ” !
من المؤكد أن تلحينك لهذه المقدمة و الطريقة الفنية التي قدمت بها أمور تكاملت لإحداث ذلك الأثر .
والذي لا يختلف عن أثر آخر خلّفته تلك الموسيقى المصاحبة في فيلم ( أين عقلي ) .. خلال ذلك الحوار المؤثر بين سعاد حسني و زوجها محمود يس حول الإنسان .. و الأماني .. و السعادة .. و القلق .. و الخوف .. و الفقدان .. و الموت !
حين كبرت أدركت أن كلاهما كان عزفك و ألحانك .. ذلك الهدوء العابث .. و الوتر الناعم كشيفرة موس .. بحد نغمته يدفعنا للنزيف صمتا و إعجابا .
تبدو لي و كأنك كنت قادرا على الخفة إن أستدعى الأمر ذلك .. و قادرا على التوغل في عمق الجرح ان إحتجت إلى ذلك !
لتنسج نغما يلمسنا .. يُعبّر عنا .. نرى في تدفقه بوحنا .. و ما نخفيه بصمتنا .. ترويه انت لنا و دون أن تحكي !
ختاما لن أطيل عليك أكثر من ذلك … فقط أحببت أن أخبرك بأني لم أزل أتذكرك و إن كنت لا تعرفني .. و أعرفك .. رغم أني لم أشاهدك رؤيا العين يوما ما في حياتي .. و أسألك .. كيف استطعت أن تُسكن لحظات كثيرة من حياتي داخل نغماتك .. فأسترجع الماضي مع أول نغمة منسابة .. و أغرق في طوفان الذكرى دون أن أموت .. و دون أن تموت حقا !
على الهامش :
مثل اليوم رحلت .. و أحببت أن أهديك عبر هذا الفيديو البسيط بعض من ماضيك .. عزفك .. صوتك .. و بعض ذاتك التي رحلت في مثل هذا اليوم !
يزيد
لما اذا اقشعر بدني و انا اقرأ كلماتك عن عمر خورشيد !!
لانني توقعت ان صاحب هذه الكلمات هو انا ، فلم اتوقع ان هناك انسان من جيلي سيكتب عن هذا المبدع في يوم من الايام، فحياته القصيرة حالت دون معرفه الناس به سوى من عاش تلك الحقبة .
أجهز الايبود الان لاضع بعض المقطوعات بالمفضله .
الجميل انه ما زال في ذاكرتي صورة -تخيليه -ليوم زواجي الذي ارغب بترتيبه ليمتلئ بالمقطوعات الشرقيه من عمر خورشيد الى احمد فؤاد حسن ,,,,,,,,,,,,,, .
دمت بكل خير
saud awwad said this on يونيو 1, 2013 في 7:31 ص |
سعود .. الإحساس الذي شعرت به يؤكد أن البشرية تلتقي مهما اختلفت القوالب في اشياء كثيرة اهمها الاحساس بالإشياء و التأثر بها .. سطورك تعني لي الكثير .. و اشكرك على كتابتها .
يزيد said this on يونيو 1, 2013 في 11:06 ص |
الشكر لك يزيد
امتعتني بكتاباتك الجميلة التي اتمنى ان تحفزني يوماً ما,على الاقل الكتابة في مدونتي اللتي مازالت قابعه في اروقة الانترنت تحمل اسمي فقط منذ سنوات !
saud awwad said this on يونيو 2, 2013 في 8:35 ص |
هل لي أن أزورها !؟
يزيد said this on يونيو 3, 2013 في 8:55 ص |
يشرفني لكن للاسف ماهي الا كما قلت خالية حتى من وجودي
http://saud77.blogspot.com/
saud awwad said this on يونيو 3, 2013 في 11:06 ص |
بس جد مبدئيا مرتبه .. و مختلفه 🙂 و ما ينفع تضايف أحد بس كرسي واحد !!
يزيد said this on يونيو 7, 2013 في 10:41 م |