رسالة الى على الطنطاوي

18jun2013

 في مثل هذا اليوم رحلت و بقي علمك حتى اليوم .
مواكبا و مستمرا و مليئا بالصواب الذي لا يصبح مع مرور الزمن خطأ كونه علم مستمد من ايمان عميق و مرتبط  بشريعة و دين و كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
على مائدة الافطار كنت معنا و لأكثر من رمضان .
وخلال العام تضئ لنا ايام الاسبوع بنور و هدايه .
وفي ذلك العمر الصغير كنت اسمعك ولا استمع لك .
امضى متحركا و التلفاز مضئ و وجهك الطيب على الشاشة
واهلي يصغون لك .. وانا مع الاطفال الآخرين نلهو و نلعب .
حين كبرت و قرأت لك و شاهدت بعض حلقاتك تمنيت أن املك باقي الحلقات وادركت ما اضعته طويلا و كان لي به فائدة في الدنيا و الآخرة .
و لأن الله كريم فقد اكرمني بوالد علم رغبتي هذه و اتى لي بما يستطيع من الحلقات .. لأغرق معك حينها و اصر على اقتناء كافة كتبك لتأتيني بالبريد من جدة الى الرياض في صندوق من الكرتون المقوى غلف جيدا و حمل في أعماقه ما يفوق ثمن شحنه وشرائه بملايين المرات و كان ذلك قبل سنوات عديدة من انتشارها في الرياض و توفرها عبر معرض الكتاب و المكتبات .
بعد القراءة اعدت طلب هذه المجموعة مرات اخرى … لتصل من جديد و بداخل صناديق مغلفة ..  كل مجموعة على حدة .
فقد اهديت اخوتي و العديد من احبتي هذه المجموعات القيمة و المفيدة ، متمنيا من الله ان تكون في ميزان أعمالي و أعمالك .
لم اشعر ذات يوم انك شيخ فالحاجز الذي يوجد بين عباد الله والشيوخ متلاشى معك .
و لم اشعر انك استاذ أو معلم ، فأنت اكثر مرونة و دفء من ذلك الدور و اوسع علما .
لكن شعرت مليا أنك قريب لي كجدي .. كأحد افراد الاسرة .. مع اختلاف مهم  و هو الثقل النوعي الذي تحمله من علم متنوع و هدوء في الصوت و قدرة على الوصول للآخر بلا صراخ أو استعراض أو تشنج .

اضيف اليوم حلقة لك تتحدث بها عن جماليات التصويرالفني بالحديث النبوي .. تتسأل  بعد أن ابديت اعجابك في ما كتبه سيد قطب عن التصوير الفني في القرآن ”  لماذا لا يتقدم أحد الادباء فيكتب عن التصوير الفني في الحديث النبوي ؟ ” ، ثم تفترض اجابة اتت على شكل سؤال قد يطرحه المجيب  .. لتسترسل و توضح بعدها .. متنقلا بنعومة ما بين نقطة و آخرى دون أن نشعر بذلك .. و دون ان نحس بأن زادك من العلم قد ينضب او يجف .. نرى في تدفقك عطاء نهر .. وفي لهجتك الفصيحة تتوارى روح  سوريه  احببناها من خلالك .
من بعض ما قيل في تلك الحلقة و احببته عبارة قلت بها : ” الحرية الفردية ليست مطلقة اذا كان استعمالك لحريتك الفردية يؤذي المجموع تمنع منه ”  .

في هذه الحلقة كنت القيت الضوء على حديث للرسول محمد صلى الله عليه و سلم يُشبه المسلمين في توادهم و تراحمهم  كالجسد الواحد .
و في لقاء أخير تم معك قبل رحيلك على قناة اقرأ كان الحديث ذاته هو محور حديثك .
لا أود أن أقول ربما حال بعضنا اليوم لا يسرك .. و بأن هناك الكثير الذي تبدل من بعدك .
لكن رحمة الله واسعة و له دائما حكمة في كل شئ .. و لحظة الولادة و المخاض هي دماء كثيرة .. بلونها الأحمر المتدفق تعكر صفاء المفارش البيضاء .. لكنها لحظة يأتي بعدها كائن جديد .. أحيانا نعقد عليه امال كثيرة .. و نتصور أشياء أجمل ..  و في اغلب الأحيان ينتهى المطاف به  ليصبح كائنا شبيها بنا فحسب .. احيانا قد يكون اسوء منا .. و في حالات مميزة وخاصة قد يكون مثلك ..  يفوقنا باشياء كثيرة و يتضح هذا بمرور الأيام و السنوات .

و التي بمرورها بعد رحيله نشعر بافتقاده اكثر .. و ندرك مدى حاجتنا له في ظروف معينة و كثيرة !
رحمك الله رحمة كبيرة  و وسع لك في قبرك و لوالدي و لجميع موتى المسملين وجمعنا بكم في دار خلود و بقاء .
واخيرا ثق بأنك موجود معنا رغم غيابك .. و عملك الصالح ماض فينا .. فأنت موجود رغم عدم إعادة القناة الاولى لحلقاتك و عدم اذاعة الكثير من اعمالك .. موجود  في سطور كتبك و التقنيات الحديثة .. مثل يوتيوب و تويتر .. و ذلك لانك و بالصدق وحده و حُسن النية .. بقيت في قلوب محبيك .
جزاك الله خير الجزاء  و لن أقول وداعا .. بل الى اللقاء .

~ بواسطة يزيد في جوان 18, 2013.

5 تعليقات to “رسالة الى على الطنطاوي”

  1. سطرت فأبدعت فأنصفت , أقرب إلى لوحة فنية أبهرت الناظر منها إلى رثاء ..

    رحمة الله على والدنا الشيخ المحبوب .. الغائب الحاضر .
    رحمة الله على والدك الذي ذكَرك فذكرتنا ..
    و رحمة الله لنا جميعا فوق و تحت الأرض و يوم العرض …

    مجموعة كتب للشيخ الطنطاوى برابط واحد لمن يود:
    http://db.tt/S1U8zbVF

  2. رحم الله علي الطنطاوي
    وشكرا على كلماتك اللتي حاولت ان توفيه حقه،كنت اتمنى مقابله هذا الرجال وجها لوجه لاخبره كم كان يعنيني و عائلتي ظهوره على الشاشة اللتي تتحفنا الان بالغث والسمين من مدعي العلم

    شكرا لك مرة اخرى يزيد

  3. لم أعرفه لكن كلامك عنه مبهج وحميمي كأنه يد الضوء في ساعة ضيقة

    سأحاول معرفته

  4. شكرا لسطوركم و مروركم و اضافتكم .. و رحمه الله و رحمنا بواسع رحمته .. اضيف ايضا موقع الشيخ الطنطاوي لمن ود المرور عليه :
    http://www.tntawy.com/

  5. نظرة مختلفة للنص القرآني الذي أعتقد أنني سأطالعه من الآن فصاعدا بعين جديدة لم آلفها من قبل. الموضوع ليس استخراج مواطن الجمال من القرآن الكريم بل هو غوص في صوره ومعانيه وتراكيب ألفاظه والإيحاءات النفسية وطرق التشبيه والتجسيم بجانب أسلوب العرض القصصي وأمور كثيرة أخرى.لم استشعر كل ما كتبه الشهيد سيد قطب في هذا الكتاب ولكن أغلبه.. وتبقى الفكرة وهاجة وقد منحتني زاوية جديدة لم آلفها من قبل.الكتاب بالطبع لن يروق للتيارات الدينية التي تميل للتجسيد -في العقيدة- وتستعيذ بالله من مجرد فكرة الفن.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: