تشويش …
متابعة اي حدث .. قرأة كتاب .. انجاز عمل .. أمور عادية هي .. لكن الغير عادي بها ضعف قدراتنا على الاداء .. وشعورنا بالانهاك من قبل أن نبدأ !
توفرت لنا سبل عديدة و حديثه للمتابعة و للتواصل .. و للمشاركة .. و لتبادل الخبرات و المعرفة .. لكن عوضا عن ان تضيف لنا بشكل دائم .. باتت في احيان كثيرة تأخذ منا .. الهدوء .. و تبدله بالإنفعال .. و الانزعاج .. وتمهد عبر كلمات قصيرة او صور .. مساحات كثيرة للخوف و الفضول و الغضب و المزيد من المشاعر السلبية التي تجتاحنا فتضعفنا و تسلبنا الكثير .
لم نعد نتحرى الحقائق .. بل بتنا جسر جيد لايصال الكثير من الشائعات و الصور الغير حقيقية محتمين بمظلة ” قالوا و سمعنا ” .. و الدلائل في بعض الاحيان و الاثباتات قد تكون مقاطع مبتورة .. سواء صوت أو صورة .. و لم نعد نحتاج ان نرهق ذاتنا في نقل الحدث .. فالأعلام الحديث وفر لنا ذلك وسهله لنكون وسيط جيد يقول الكثير و عبر ضغطة زر .
وعادة لا احب ان اتحدث عن نفسي و لا اقحمها لكن اشعر برغبة في توضيح الارض التي اقف عليها منذ وعيت .. والتي التصق بها راضيا .. كي لا يتم زجي مع اي تيار او حزب او الباسي اي مصطلح أجوف اخترعه البشر و صدقوه و اضافوا له الكثير .. فرغم بدانتي اجد ان المصطلحات المطاطة لا تناسبني و لا ارتاح بداخلها .. هي الثياب البيضاء كلون السلام ما اتمنى ارتدائه و مع هذا تتسخ تارة بسبب هبوطي بسبب الانفعال في ارض موحلة – طويلا ما تحاشيت عبورها – او لقذفي بما يتكفل بتدنيس ذلك البياض .
لست ممن يجعل من الاشخاص آلهة سواء حكام او شيوخ دين .. و لست ممن ينسى حقيقة أن الحكومات متبدلة دوما و على مر التاريخ .. و أن الملوك حتى و إن حملوا لقب العائلة ذاته .. يظل لكل منهم انجازته و عيوبه .. التي تنعكس على عهده و على محيطه .. و كل منا مرآة قد تعكس الضوء لتضيف المزيد من النور للمكان أو تكتفي بالتوهج بشكل مزعج و زغللة عيون الآخرين و اجهادها إن رغبت بذلك !
نزعة انتمائي دائما اقرب للجماعات الذين بقوا في حدود اراضيهم رغم ترحالهم و تنقلهم من نقطة لأخرى سعيا وراء الخير و ابتعادا عن قطاع الطرق المنتشرين دائما في الحروب و بعد سقوط الحكومات .. الذين يسطع حضورهم حين تعم الفوضى و يضطرب حبل الأمن فتجدهم يبحثون في وقت كهذا عن ارزقاهم و اماكن و مناصب لهم بعد طول انتظار .. اشخاص لا يجدون غضاضة في احراق الآخرين لاشعال موقد شعلتهم .. و من ثم يركضون صوب اهدافهم التي خططوا لها بعد أن استخدموا الآخرين كطريق يسيرون فوقه لتحقيق ذلك .. تنجح مساعي بعضهم و يتمتعون لوقت محسوب بما بحثوا عنه .. لكن تعود الاشياء لسابق عهدها .. فبعد كل ارتفاع هبوط .. و بعد كل هبوط ارتفاع .. و هذه طبيعة الاشياء .. و لأني ادرك هذه الحقيقة لا اضع كل هؤلاء نصب عيني .. فأنا منحاز جدا للأرض و الأمان و الحياة .. مؤمن بأن في الطبيعة الانسانية وفق فطرتها التي خلقت بها قوة و مخرج .. لكن لدى من يؤمنون بلغتها و يتقنون التعامل بها .. او على الأقل يحاولون ذلك .. عبر تهذيب انفسهم و تقديم المصلحة العامة على الخاصة و السعي الدائم للوصول الى حلول وسط ترضي جميع الاطراف – الانسانية لا النهمة او الطامعة فهي لن ترضى بغير ما نوته بديلا – و تسمح لهم بالتعايش السلمي رغم اختلافاتهم الكثيرة … كما أني لست ضد التغيير لأجل الأفضل لا للأجل التغيير في حد ذاته .. فالهدف لا أن نتغير فحسب و لكن أن نتقدم .
و صدقا اقولها ربما ملكنا في هذا العصر جميع الوسائل المتقدمة في التواصل .. و تغيرنا .. بل تغيرنا كثيرا .. و سريعا .. للحد الذي بتنا به نتغير دون ان نعي أو نفكر او نتسأل الى أين يأخذنا هذا التغيير .. بتنا نشبه صدفة تلقيها الامواج يوما على شاطئ و تأخذها في اللحظة التي تليها موجة اخرى .. ملوحة البحر تغسل اعماقنا و قد تطهرها من أنبل ما فيها .. فيصبح بعضنا صدفة جوفاء لا يصعب ان تعبئ بأي شئ و تفرغ منه بسهوله .. رمل كان أم مياه .. بل وفي مراحل اخرى قد تسقط في قاع البحر و تغرق .. تهبط بهدوء الى الاعماق دون ان يسمع صرختها أحد و ربما دون أن تستغيث .. فلذة المغامرة و اللحظة التي تسرقها و الدهشة و الانبهار أمور تخدرها فلا تعي موتها القادم أو تفكر به .
هذا الوعي لم يغيب في لحظة .. و لكنه نتيجة حتمية لكل التشويش الذي يحيطنا و يتضاعف داخلنا .. فنحيا في ضجيج .. و نتعايش حتى في لحظات صمتنا مع اشياء لها دوي عنيف .. و أزيز .. و اصوات كثيرة لا يسمعها أحد سوانا في ذلك الصمت المطبق الملئ بالتشويش الداخلي .. الذي يضعف من تركيزنا احيانا و يجعلنا غير قادرين ذهنيا على انهاء كتاب من الجلدة للجلدة رغم معرفتنا للقراءة .. فنحيا عمرنا المهدور .. و نحن نمتلك كافة الادوات حقا و لكن دون ان نعيش و دون ان نستمتع حقا و دون أن نفيد او حتى نستفيد !