تحت الشتي

19NOV2014

منذ ١٧ عاما و في مثل هذا الطقس ، داخل غرفة منسية نافذتها مفتوحة على المدى و السهر و الأحلام التي لا تنتهي كُنت أجلس .
أحيك على جهاز التسجيل أغنيات ذلك الشتاء ، أجمع خيوطها على ” شريط كاسيت ” ليدور حين أدور فوق هذه الطرقات الرمادية بلا بوصلة أو موعد منتظر أو أتجاه .
ما بين نسج تلك الشرائط و الأستماع لها كان يمضي الوقت ، و به كنت أرقب الحياة من خلف نافذة الغرفة أو نافذة السيارة و أرى أنعكاس المطر على الزجاج أو المرايا دون أن ألمسه أو أشعر به حقاً أو يلامسني .
تحيطني الأشياء فأعيشها دون أن أعيشها حقا ، أستمع لأغنيات الحب دون أن أحب ، أتنهد مع العشاق و أتفاعل مع أشواقهم و حسراتهم دون أن تكون لي حسرة حقيقية ، و أرقب العمر يمر دون أشواق أو حلم أو حب .
كنت أحيط ذاتي بكل ما يقترب من حدوده ، كتب الشعر ، الشموع  و الأغاني ، أغرق في المعاني بأحاسيس متأثره و مشاعر نابضه و روح تتفاعل بعمق لكنها حُصنت بتعويذة ما جعلتها تهابه و تضع العراقيل كي لا يصبح أو يكون إلا كما يجب أن يكون حقا !
لذا أحترفت الأنتظار و ترقب القادم الذي لا يأتي …..
في الأيام الباردة و في ليل الصمت كانت هذه الروح تجوب شوارع المدينة الهادئة ..
مثل امرأة صامته تحت عباءة سوداء ، وحيدة ، يملؤها حزن سرمدي  ..
تتحرك في السكون الملئ بتيارات يرتعش لها القلب قبل الجسد ..
لكن بسكون مماثل و دون أن تقول شيئا !
في ذلك الشتاء الممطر لم تجد سوى الأغاني التي تنسج غطاء يدفيها ، شال متعدد الألوان ترتديه في تلك الليالي و تمضي ، مظهرة تفاعلها مع الأنغام و متجاهلة بعض ما تشعر به ، بصمت من لا يبالي و تهرب من أصوات عديدة بداخلها لصوت فيروز .
تغزل خلف جدرانها درب هروبها ، تكرر الأغاني التي تحب وفق ترتيب تراه ملائم و مناسب ، تجمع الأغنية الواحدة مرات متعدده لتراها من عدة أوجه ، فهذه النسخة من تسجيل مسرحي و به أرفقت جزء من الحوار لكونه لمس شيئاً بها ، أما هذه فمن تسجيل حي مباشر و الأخرى سجلت في الأستديو ، بعضها قد يكون تسجيل قديم أضافت له صدى أو تم تجديده بتصور جديد أحبته .
كانت تستكشف بعض جوانب ذاتها و ذائقتها عبر الكلمة و الصوت و اللحن ، تنقضي الساعات و هي تعيش اللحظة ذاتها و تكررها ، لحظة بها مشاعرها تغدو أكثر دفئا ، من خلالها تسمع بعض قناعتها حول الحب مغناة ، تلمح جزء من أحاسيسها نائم في اللحن المسترسل كنهر و الصوت المتجدد كغابة أبدية .
اليوم  و في هذا الجو الشبه بارد و القريب من شتاء لم يكتمل ،  فتحت أدراجها القديمة لتخرج شال الأغنية و تفرطه لتحيكه من جديد دون أن تعبث به أو بطريقة ترتيب خيوطه و أمتدادها، هي فقط تمنح شالها العتيق حياة جديدة حين تلقيه على أكتاف غرباء لا تعرفهم  و لكنها تؤمن بأنها تشبههم  !
هنا أترك التسجيل كما كان ، على جزئين ، الأول به الوجه ( A ) و الثاني به الوجه ( B ) و في الوجهين بعض وجهي الذي نسيت و بعض عمري الذي أنقضى سريعا .

~ بواسطة يزيد في نوفمبر 19, 2014.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: