في عصر هذا اليوم
. استعادة حالة .
في تمام الرابعة و عشر دقائق عصرا ، و بعد تصفحي لرسائل في هاتفي الصغير ، تمددت على سريري في محاولة لاستعادة “عصرونيات ” السكوت في أيام الجمعة قديما ( السبت هذه الأيام ) ، و بالتحديد روتين مضى مع أيام دراستي .
في تلك الأوقات ، و رغم وجود بعض الواجبات المتراكمة ، كانت القراءة الخارجيه تحلو لي ، فأذهب لمطالعة كتب تحمل موضوعات متنوعة ، معدودة الصفحات ، لكن يجمعها عنوان موحد ، و مؤلف واحد .
الكتاب الذي أخترت اليوم هو ( نقرات على أصابع البيانو ) للكاتبة خلود باسماعيل ، أشارت في بدايته أنها – و ربما حسب فهمي – قد كتبت هذه السطور ، أو بعضها ، على مقطوعة موسيقية للموسيقار ديبسي ، عنوانها ” ضوء القمر ” .
رغبة مني في التفاعل مع الكتاب بشكل أعمق ، بحثت عنها ، و جعلت نغماتها تتردد بين جدران غرفتي ، و داخل مسمعي و قلبي ، ثم انطلقت مع الصفحات يرافقني اللحن و مشروب دافئ .
. فلاش باك .
بالأمس حدثت اشياء عديدة بلا تخطيط ، من ضمنها المرور على مكتبة ” جرير” ، لشراء كتاب معين و لم أجده ، لكني عُدت بكتب اخرى ، من ضمنها هذا الكتاب ، ما جذبني له ، بساطة الكلمات و عمق الأحساس .
لمست في الأسلوب ، عودة لحقبة زمنية ماضية ، و بالتحديد الفترة التي كانت تقوم بها مكتبات “تهامة ” بأصدار طبعات لكتب تحمل اسماء كاتبات سعوديات وعربيات ، أقلام تجمع في أسلوبها ، بعض تأثر من كتب غادة السمان ، مضاف إليه بساطة التجربة الاولى و بكارة الأحساس !
هذا الأمر الذي لمسته أوجد حالة من الأرتباط النفسي به ، كما أني شعرت بأنه كتاب يُشبهني ، و يشبه زمن عشته !
فالكثير من الكتب المتراصة حولي على الرفوف أشعرتني بالغربة !
لكونها كتب تشبه إطارات الصور ، لقد زينت أغلفتها الأمامية بصور شخصية لمؤلفيها ، صور كبيرة ، أُخذت لهم في وضعيات مفتعلة ، تحاول أن تبدو محترفه ، لتقارب اغلفة المجلات الأجنبية الخاصة بالمراهقات ، او في أفضل الحالات صور الشعراء ” الشعبيين ” في فترة التسعينات الميلادية ، داخل أو على غلاف مجلة “فواصل ” أو ” المختلف ” .
كتب مساحة البياض بها أكثر من السطور المكتوبة ، بعض محتواها قد لا يتجاوز أن يكون تغريدات في ” تويتر ” و تم جمعها ، هي ببساطة كتب أزعجتني ، و استوقفني انها في طبعتها السادسة أو العاشرة ، مما دفعني إلى أن اشك بذائقتي الأدبية و أشعر بأني لم أعد أنتمي لهذا العالم !
إن عملية الضخ في المكتبات باتت مخيفة ، متدفقة للحد الذي قد يضيع به الكتاب الجيد أو لا يصل ، فبعض الكتب التي نعرف عناوينها لا نجدها ، بينما تفرد مساحات كبيرة لكتب لا اجد أحد ممن حولي أو من معارفي قد قرأها أو سمع عنها و مع هذا تحتل الصدارة و افضل المبيعات بشكل مريب يدفعني للتساؤل عن الآلية و المعايير التي يتم بها وضع هذه الكتب و ابرازها بهذا الشكل رغم ضعف محتواها و اسلوبها !
بأختصار .. البارحة قمت بشراء الكتاب و اليوم عشت معه لبضع ساعات .
. عن الكتاب .
هو صادر عن ” دار الفارابي ” ، و يتجاوز المائة صفحة بتسع صفحات ، في سطوره تأثر واضح ، بالشعر و الشعراء ، يصل لحد الأستشهاد ببعض ما كتبوا ، و ادراجه داخل النصوص .
كما يوجد تأثر عام بالأغاني ، و اجواء المطربة فيروز و عالم الأخوين رحباني بشكل خاص ، للحد الذي جعل بعض عناويين النصوص تحمل اسماء اغنيات لهم أو لسواههم مثل ( رجعت الشتوية ، قد إيش كان فيه ناس ، يا قصص ، فات الميعاد ) ، أو ربما بعض ” الكوبليهات ” في النص نفسه .
صنفت مادة الكتاب كما أوضح الناشر ( نصوص ) ، لكن هي قريبة مما تكتبه غادة السمان مع فارق الهوية الأدبية لكل منهما ، فهي شئ قريب من النثر في بنائه ، و من الشعر في رهافته احيانا ، و من الخواطر في ابتعاده عن الوزن و تقديم الفكرة و اعطائها الأولوية.
هنا لغة لها شاعرية خاصة ، تبدو في بعض الجمل المنفردة ، أو المتكاملة ببعضها البعض ، كبناء واحد تراصه يُعمق المعنى ، فلا تشعر بجماليته إلا حين يؤخذ الكلام بمجمله لا منفرداً أو مستقطع .
مع نهاية وقت صلاة المغرب أنهيت قراءته ، لم يأخذ مني وقتا طويل ، استمتعت برفقته و لم أستثقل سطوره ، أضيف ادناه بعض قليل مما أعجبني به :
( أخباري ما زالت على مائدتي .. بردت بانتظار أن نقتسمها معاً ! ) .
( متى .. متى خسر أحدنا الآخر ؟
متى كانت تلك الليلة التي فقدنا فيها المقدرة على الاستمرار / العفو / الصفح الجميل !؟ ) .
( مزق هويتي .. و خبئني .. احملني في جيوب قلبك أو ثنايا محفظتك .. و انسنى هناك .. ) .
( لا أظنني بحاجة إليك .. و إنما .. أنا بحاجة ماسة إلى فكرة وجودك .. إلى تردد أنفاسك و احتياجك الأنساني .. ) .
( .. من أول قواعد اللعبة أن تسخو بالآخر لتكون المنتصر و أن افتقادك لهذا الاستعداد يجعلك أكثر عرضة للخذلان ) .
( اليوم .. كل شئ أستقر حتى الموت .. أو لنقل – للدقة – حتى الأغماء ، و كلنا يحلم سرا بحقيقة ما تنتزعه من البلادة العاطفية التي يعيشها ) .
( كل يوم تكتشف في ثوبك مزقاً جديداً ، و قد نفد ما يمكن أن ترقع به الثوب فتشرع في تمزيق شراع سفينتك لتستر جسدك .. ) .
( نمرض بأحلامنا ، بتوقعاتنا من العمر العقيم .. و نشقى بقلوب تتنفس الحياة و تختنق مع كل شهيق .. ) .
( و ألقيك في أقرب فجوة في الذاكرة .. و تسقط دون أن تحدث صوتا ..
مستسلم أنت للغياب ، و مستسلمة أنا لاحتفائية الحياة ، بعودتي إلى الحياة .. ) .
( و حين تغادرني .. أعود أنا حرة طليقة .. و أفكر فيك و أفتقدني أكثر ! ) .
( انتظر خبراً حلوا ً .. و أذني الآن تؤلمني .. ترى هل تستعد للخيبة بالوجع ؟ ) .
( و تبقى لنا انتصارات معدودة و خيبات لا تعد .. ) .
( ما كنت أسعى خلفه ، ما كنت أعتقد أنه الحلم ، ظهر أنه الكرزة على رأس الكعكة لا أكثر ) .
( كلما كبرت ، تتضح لك الأشياء التي لا تحتاج إليها تحديدا و يزداد تمسكك بها ! ) .
( كُنت تزهد بما تملك فسلبك الدهر ما تريد ) .
( أحاول و أحاول أن أفهم .. و كنت أتمنى لو لم تمر لحظة يخسر فيها أحدنا الآخر .. ) .
( أبليس صغير يعرف كيف يستوقف نبضك ليخبئ فيه اسمه أو ملمحا منه أو تفصيلا صغيرا يتعلق به .. ) .
( اليوم .. ألف شهرزاد تحكي لا طلباً للحياة .. بل طلبا للشهرة ) .
( .. تنتصر إن أنت .. قفزت على ثغرات الآخر ، فتعرف تحديدا ما الذي يدفعه إلى حافة الشوق ، و ما الذي يجعله يأتيك مرغما ، و ما الذي يغضبه فتفعله لعقابه ، و ما الذي يسعده فتستخدمه لأغراضك الشخصيه ! ) .
( كل صفحة أطويها معك ستطوي شيئا من ملامحي و ستقصيني عني .. ) .
( اقترابك خطر على حريتي .. و ابتعادك خطر على قلبي المثقوب .. ) .
( هل كان حباً أم انه حاجات نفسية التقت احتياجات نفسية أخرى أكثر مرضية ؟ ) .
( أيها الحزن الجميل : حررني من صخب الاشتهاء و التمني و أصبني بالحكمة دون رأفة ، و اجعلني من الطمأنينة بحيث أشيع موتاي بالبياض إلى البياض .. دون دموع ) .
( أن أكتب عنك لا يعني ذلك أنك على قدرٍ عالٍ من الأهمية ، فنحن قد نكتب عن الغبار و غلاء الأسعار و الانفلونزا ! ) .
( بعض الأمور وجدت لتكون دون مبررات ) .
( ربما أقتطع مساحة في قلبي فأزرعها برتقالاً أو أبني فيها بيتاً يؤويني في شتاء العمر ! أشعر أن سعة قلبي مساحة مهدرة لا تجلب إلا المتاعب ! ) .
( هذه الأيام أنت تعاني وحدة مفرطة .. أنت فريسة مشلولة تماما .. و لا قدرة لها على المقاومة .. فريسة سهلة تماما .. لا حاجة لصيادك إلى التسلل ، إلى الأغراء .. إلى شبكة أو حتى بندقية .. كل ما هو بحاجة إليه هو أن يكون موجوداً .. ) .
( أريد أن أقوى بك .. و أن ترافقني عمراً ، دون أن نلتقي حقاً ..
دع القصص التقليدية لهم ، و لا تترك جناحيك للذبول .. حلق .. و سأحلق ) .
( كل ما بكينا من أجله بالأمس نسيناه اليوم .. ) .
( .. تمارس لعبة الغواية و كأن الأمر صياد و شباك و كائن غافل ! ) .
( ليلتهم النسيان القصة قبل أن تكون .. ) .
( أرتكب ذنوبي ثم أستغفر بطمائنينة العابد أو الدرويش ! ) .
( لم تعد المكاشفة مجدية ، كلما اطلع عدد أكبر من الناس على أدق احاسيسك و أكثر خيباتك خصوصية ، تجردت من .. شئ ما – لا أعرف تحديدا ما هو – .. وبقيت لك أحزانك ) .
( يتعارفون دون عناء .. و يفترقون في منتصف الحكاية و لا ينسون بعضهم أبدا، بل يحمل أحدهم الآخر بداخله و يمضي به مع الريح بكل إخلاص .. ) .
( نكبر حين يشق القدر قلوبنا و يفرغها من آمالها البلهاء الطفولية و يحشوها بالحذر ) .
( أعتقد أن أجمل عقوبة لأولئك الذين خذلونا هي حرمانهم من تفاصيلنا الجميلة ) .
( كل فقدٍ و أنت بخير ) .