خارج الزمن …

بدون الوان …
في لحظة تترجمها الموسيقى ..
تم عيشها في زمن مضى ، ثم فرت مختبئة في دهاليز الذاكرة …
تماما كنغمة منسية و  سر لا يباح به .
على مسرح كبير و قفت ” نجاة ” الصغيرة حجما هامسة تغني ، بنضج و هدوء و اقبال متفجر دونما صخب او ضجيج ..
في حفل احتشدت الجماهير به لترى كل شئ بالألوان ، يتحرك امامها حياً و متدفقا و منساباً كالحياة .
تسمع اوتار الجيتار حين تثار بعد أن تلامسها انامل الراحل ” عمر خورشيد …
ترقب أصابع ” هاني مهنى ” و هي تداعب أصابع الأورج الحديث حينها على تخت شرقي .
كل الفرقة تقف و تتفاعل لتترجم رؤيا و فكر الموسيقار الراحل ” محمد عبدالوهاب ” الذي لحن كلمات مصاغة باتقان ، كتبها  الشاعر الفنان ” نزار قباني ” ، بلسان انثى تخاطب حبيبها و سماها ” إلى رجل ” .
فسماها موسيقار الأجيال حين أعدت لتغنى ” إلى حبيبي ” .
بينما اختار أن يسميها بعض قليل ” متى ستعرف ” و الأغلبية اختارت ” إرجع إلى ” فكان الأسم الأكثر تتداولاً !
اختلفت الاسماء و لكن كان الاتفاق على كونها لحنا و كلمات و غناء مختلفة و قريبة للنفس و لا تمل .
في زمانها كانت حدث ، و تم و ضعها في فيلم سينمائي مثلته نجاة ، ثم طلبت في الحفلات الحية ، ثم رددها الناس ، ثم عاشت خارج الزمن لتبقى خالده و باقية في نفسي ، تعيدني الى غرف كبرت بها في غربة لم اعيها و لكن ولدت بها .
تحملني لماضي عشته ، لصوت امي في طفولتي ، و وجه ” خالي ” في غرفته اثناء مراهقتي ، لم يكمل الثلاثين و خط الشيب سواد شعره بطريقة جذابه ، جلسنا معاً قبل زواجه بسنين ،  يشاركني حب اللحن و يسرقنا الحديث عن الكلمات و طرق نطق الشعر و كلام كثير به كنا نسرق الوقت ، حوار بسيط قد يتساقط بمرور الزمن بعضه لكنه مؤثر – على الأقل بالنسبة لي – و بعده كنت اشعر ” بوجود ما ” و يبقي في نفسي اثر كبير .
اليوم استمعت لها اكثر من مرة ، ثم أخترت هذا الجزء الموسيقي ، بصوت الجمهور المتداخل مع الفرقة و يرافقه صوت غامض يشبه ” صفير ما ” أو خلل في هندسة الصوت خفيف ، كأنه نغم شارد من آلة ما ، يتوه في زحام الالات المتداخلة ، يأتي و يبتعد و كأنه نغمة مدروسة وضعت لتبدو ” تائهة ” أو ربما كانت فعلا كذلك .
نغمة تشبه روح هربت من جسدها الذي يعيش و ينبض ، ليسكن بعضها في اماكن عبورها ، تسير مخلفة بعض اثرها في الطريق ، روح تتوارى خلف ستار ما ، او تقف بشفافية وراء جدار ما ، و تبقى هناك رغم عبور الجسد و عقارب الساعة و مرور السنين و الأيام .
بقيت في مكان عتيق ألفته و ركنت إليه و أرتاحت ، مكان به الاشياء ليست متلونة ، واضحة لها ، رغم تدرجات الرمادي  بين حد الفرح الأبيض و امتداد الأسود الحزين .
روح تطمئن لنقائها ، و تدرك مدى اخطائها و ذنوبها ، تعيش متصالحة مع ما هو كائن و تحلم بما هو ممكن و من المحتمل أن يكون !
في الوجه بقايا اثر لها ، و في الداخل تسكن وجوه آخرين ، هي اشياء تظهر و تختفي ، تماما كذلك الصوت القصي القريب ، قد تسمعه و يصعب عليك تحديد ما هيته ، أو كيف حملته الريح و أتت به الى هنا .
” نغمة ما ” ترتاح لها بلا مبرر كالاشياء و الاشخاص الذين نحبهم و يصعب علينا تحديد السبب او معرفة لماذا !
لتلك الروح و لكل عابر هنا و لكل شعور يكتنفه الغموض و لكل محبوب يُحب بلا سبب واضح معشوقه رغم عيوبه .. اهدي هذه النغمات و السطور .

~ بواسطة يزيد في سبتمبر 6, 2015.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: