و أسقطت السنة رأسها
هي أيام معدودة …
و مع هذا خلتها لا تنتهي !
لم تكن سنة خفيفة و حضورها كان ثقيلا .
أتخيلها الآن تسير مثقلة ، تجرّ خلفها رداء طويلاً ، تحاول رفع رأسها ، كي لا يسقط تاج لامع استولت عليه دون أدنى حق ، ترفع رأسها كي لا تشم رائحة الموتى ، كي لا ترى دماء القتلى و هي تلطخ ثوبها الزاحف ورائها كإرث لم يتخلله من الجميل إلا القليل .
تجلس على عرش الوقت ، ترقبنا و هي تدرك أن السنة شارفت على الانتهاء ، ترانا مشغولين بما بين أيدينا ، نبحث عن مخارج ، مداخل ، سبل للعيش ، و طرق تأخذنا إلى بر أمان ، تسند ظهرها كملكة شريرة في أحد القصص الكرتونية ، كشخصية بها نزعة سادية ، تستمتع بالكوارث و وجودها لا يخلو من الأذية ، تعلم بأن الأمر لن ينتهي برحيلها ، فهي خلّفت ميراثا ما ، أفسدت شيئا ما ، و إن ماتت في هذه الليلة على مقصلة الوقت فكل ما حدث سيظل نابضا في الذاكرة و باقيا على أرض الواقع .
عزاء البعض ممن يتلهف بأن يودعها هو مرور الوقت ، الذي عبره قد تأتي أمور إيجابية لم تعبر خاطرنا أو نفكر بها ، أحداث كتبها الله لإسعاد الصابرين من عباده ، الذين يفصل بينهم و بين أخذ ” القرارات المصيرية ” بحار و بحار ، و مع هذا هم أول من يتأثر بالموج و بها .
جالسة على العرش لتودعه و تتلفت يمنة و يسرة ، و بها حزن لا تعلنه ، و انكسار لا تحكيه ثوانيها المتعجلة ، لقد استخدمها بعض الأشرار أيما استعمال ، تحدّث نفسها بأن هذه ” الكراهية ” لها ، لم تكن من أعمالها ، و بأن من فعل سوء باقٍ بعدها ، هي ترى ذاتها سنة أخرى ، تشبه التي مضت و الآتية بعدها ، هم الناس من حولوها إلى ذكريات حلوة أو مريرة ، ترقبهم و هم يضطربون لأجل ” احتمال ” و ” خوف مؤقت ” من صور تزدحم في أذهانهم التي لم تتعب من تخيل الأسوء و الأكثر سلبية طوال أعوام !!
تدرك أن الضرر الذي يمر بهم ، قد مر على أقوام قبلهم ، فلاشئ جديد على هذه البسيطة ، هي الأحداث تتكرر ، و هو الإنسان دائما يحاول ، متصوراً أن كل الأمر بيده ، متناسياً الأقدار و المكتوب و غضب الطبيعة ، كالزلازل ، الفيضانات ، و الموت الذي لم يزل حيا يرزق و يدور في كل ليلة ليقطف من حقول العمر أرواحا معينة كُتب لها أن ترحل في هذا الوقت ، بغض النظر عن عمرها أو أسباب الوفاة ، قد يكون طفلا أو شيخا كبيرا ، لكن كلاهما بين يديه سيلفظ نفسه الأخير ، على أرض مبنى تحطم بفعل إرهابي أو بهدوء على سرير ، فلكل شئ ميعاد .
تهز أكتافها بلامبالاة ، انتظرت أن يودعها أحد ” بحب ” ، أن يتذكر شيئا جميلا حدث بها ، فهي لم تكن بذلك السوء مع الجميع ، و لا بد أن هناك ” ذكرى حلوه ” حدثت أو كانت ، و لكن تناساها البعض في هذه الحياة ، تماما كما ينسونها و ينسون أحبتهم و لا يذكرونهم إلا عند الموت أو الفراق و الرحيل .
المتبقي من الوقت ساعات ، ترقب الأرض و تحني رأسها ، تود أن تلفظ أنفاسها هي أيضا ، فقد تعبت منهم و من سوء إدارتهم لها ، و باتت ضجرة من تشاؤمهم منها ، و مما يقومون به من سلوكيات ، أقلام ، أوراق ، و أمنيات جديدة ، يسجلون أهدافهم و في ليلة كهذه يطيب لهم أخذ القرارات ، هذا سيقلع عن عادة سيئة ، و هذا سيتعلم أمرا جديدا ، تردد ” بشر مزعجون لا يملكون أحيانا سوى الهذر و الأمنيات ، و ستظهر الأيام القادمة ما الذي سيحدث أو ما الذي سيفعلوه في السنة الجديدة و الحياة ! ” .
هي مضطربة مثلنا ، تشبهنا ، لها أكثر من وجه ، لها بداية و نهاية ، و تحمل في عمرها تفاصيلا ، و أحداثا و لحظات صادقة و أخرى مليئة بالمجاملة و الافتعال ، أرى رأسها يسقط على صدرها كطفل لا يقاوم النوم ، و في مكان عام يدعوه النعاس ، تاجها لا تشعر به ، و في هذه اللحظة أشعر بأنه “متكلف” ، يحك فروة رأسها و ربما كان يزعجها و تنتظر انتهاء الوقت لتزيله ، و تتحرر منا كما نود أن نتحرر منها ، متصورين أن كل ما يحدث بيننا سببه الطرف الآخر ، نزكي أنفسنا و كلانا شريك في كل شئ ، علاقتنا معها هي نفس علاقتنا مع من عشقناهم أو صادقناهم ، بل و تتشابه في الكثير من التفاصيل و إن اختلفت .
حين رأيتها كذلك أحببتها ، تصالحت معها ، و أحببت أن أكتب سطوري هذه حين شعرت بأنها منهكة مثلي تماماً ، و لأتذكر و تتذكر بأن هناك ٣٦٥ يوماً عشناها معاً ، بها شاركتني في وداع أحبة ، و مراقبة انكسارات داخلية و خارجية ، و منحتني أوقات مستقطعة بها كنت أخفف من حدة الأوقات الاخرى ، كلانا مر عليه الوقت و أخذ منه و أعطاه ، و كلانا تأثر بوجود الآخر و أثر به .
المتبقي ساعات .. و العمر أيام معدودة .. و إن خلتها لا تنتهي !!