سمةٌ مُشتركة

2jan2016ff1

كلّ هذه الوجوه و أكثر يجمعها شئ واحدٌ !
رغم اختلاف بلدانهم ، دياناتهم ، توجهاتهم ، أعمارهم ، صفاتهم ، أسمائهم ، جمعهم الموت في أرضه ، و حفر لأجسادهم في العمق أماكنا يمضون إليها صامتين .
حصدهم في عام واحد و حصد معهم آخرين ، بعضهم خلّف ورائه أشعارا ، قصصا ساخرة ، أغنياتٍ ، أعمال فنية ، أو علما يُنتفع به ، أو أبناء صالحين ، و ربما بعضهم ذهب مبكراً قبل أن يُنجب َو يستمتع بحياته كالآخرين .
جفاني النوم فسهرت البارحة ، و في الليل تذكّرتهم و تذكّرت سواهم ، أسماء قد لا تعرفونها ، رحلت في أعوام سابقة ، و فكّرتُ في الأسماء التي قد تُقطف بغتةً دونما سابق إنذارٍ أو علّة .
بالأمس حدث أمرٌ ، قد يراه البعضُ عابرا ، يُسمى سوءَ فهمٍ ، لكنه حدث و شاهدت ردات فعله ، أختان سرقتهم الغربة ، تعملان  في بيت واحد ، و خبرٌ آتٍ  بغتة ” والدكم مات” .
كان البكاءُ حقيقيا ، و كان الموقفُ حقيقيا ، و كان الإحساس ُبالفراق عميقا ، لكنّ الخبر لم يكن صحيحاً ، فبعد “اتصال آخر”  أدركنّ  أنّ الميتَ ” خالٌ ” لهما مريض منذ وقت ، كبيرٌ في العمر و الكلّ يرى أن الموت رحمة له .
ظلالُ شبح الموت لم تزل هنا ، لكن ّوجوههنّ  استرخت قليلاً ، كفكفنّ  بأيديهنّ دمعهنّ ، و تنفسنّ  الصعداء ، ثم مضينَ  إلى بيت قريبتهن التي تغرّبت مثلهن ليساندنها في موت أبيها و دون أن يخبرنها  أنهنّ و لسوء فهم حدث، بكينَ  بكائها و تجرعنَّ الكأس ذاته قبلها بساعات .
هي حياةٌ متحركة ، لا تعرف الثبات ،  تتبدل في ليلة و ضحاها و ربما في ثوانٍ، و هو موتٌ نابضٌ ، في كل ليلة يقطفنا و يملأ سلّته في لحظات ، و هو رحمٌ تتكون به خلال شهور حياة ، قلب نابض ،  روح ، في الغد سيكون لها عمرٌ و حكايات .
جلست على امتداد ليل الشتاء الطويل ، أتأملُ الوجوهَ في سماء سوداء كسبورة ، ملامحاً غير موجودة ، لا يراها سواي ، كأنها رسمت بطباشير سريّ على هذا السواد ، بعضها مبتسم ، و بعضها لم تغادره حيرة قد ألمّت به سابقاً في هذه الحياة ، و لم أعد وحدي رغم أني لا أسمع في الغرفة سوى صوت أنفاسي !
ذلك الخبر العابر ، نشّط ذاكرتي ، حرّك إحساسي ، و تمنيت أن يكون خبر موت بعض من نحبهم إكذوبة أخرى ، و  أنهم  مازالوا على قيد الحياة ، و  أن احتمال لقاء قريب و أخير قبل مغادرة الأرض و هذه الحياة ممكن و سهل حدوثه ، به تتصافح الأيدي مرة أخرى و تلتقي العيون و نقول ما رغبنا بقوله  و انشغلنا أو لم يمهلنا الوقت .
هربتُ من مشاعري و خيالاتي إلى الصور ، بتُّ أجمعها و أرصّها قرب بعضها البعض ، جزءٌ تذكّرت رحيله ، و جزءٌ آخر اكتشفت موته أثناء البحث !
كل هذه الوجوه التي جمعت ، جمعها الموت في عام واحد  و لحظة تفكير !

2jan2016ff2

~ بواسطة يزيد في جانفي 2, 2016.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: