مغادرة
هي قصصٌ تموتُ معنا
تجاربٌ و خبراتٌ خاصة
نبضٌ من الحياة
و عمرٌ كاملٌ يتوارى في الثرى
جسدٌ يرحل ..
مخلفا ورائه بعض اختياراته ..
و أحبّ ما لديه ..
ليبقوا و نبقى ..
في عالم يفنى بالتدريج
و دون أن نشعر يُفنينا معه مرتين !
مرة أثناء العيش ..
يُشغلنا بالخوف تارة ..
و بمحاولات الهرب من غرق محتمل
و محاولة الوصول لشاطئ آمن تارات ..
و مرة أخرى ..
حين يتوقف نبضنا
و لا يبقى منا سوى أوراق ثبوتية
تؤكد أن شخصاً قد عاش هنا ..
و ذكرى رحلة كفاح ..
بها عدد من الهزائم الداخلية التي ندركها ..
و نعلم أنها كانت أكثر من انتصارتنا البادية للآخرين ..
لتظل صورتنا غير مكتملة في عيون الناظرين
لا في حياتنا .. و لا بعد الرحيل ..
لكن تبقى لكل راحل ” صورٌ خاصة ” ..
بينه و بين كلّ شخص عرفه على انفراد ..
صورةٌ لم تطبع على ورق ..
بل في الذاكرة ..
وتمنحه في الحياة ..
داخل كل روح ..
ملمحاً جديد و حجماً مختلف ..
ثم تبقى ” صورة أخيرة ” ..
ملونة بتسامح جماعي ..
فمن كنا نتنافس معه أو نعاديه أو نحبه ..
غدا شبحاً في الذاكرة و روحاً ماضية ..
و جسداً يحتويه التراب .
هي جولة مصارعة …
و مهما طالت قصيرة ..
بها نصارع أنفسنا و الآخرين ..
نصارع المرض و قوى الطبيعة …
و أكثر ما يخذلنا ..
طبيعتنا العصية ..
و عاداتنا الرتيبة ..
قبل كلّ شي !
هي رحلةٌ بها نتعلق بأسماء و أحباء ..
و ندرك في كل لحظة حلوة ..
أن هناك نهاية تتخفى وراء كل جميل نعيشه …
و مع هذا نعيش .
هي الطيور تغرد بالروض ..
تلتقي ..
تبني أعشاشها ..
تطعم صغارها …
تقف على غصن العمر ..
تتأمل ما كان ..
ثم تمضي و كأنها لم تكن هنا ..
فتغدو الصورة ناقصة ..
منظرٌ بلا صوت ..
عشبٌ أخضر ممتد ..
تحركه ريحُ الوحدة و يعلو صوتها …
فلا صادح و لا رفيق هنا سوى الفقدان …
مع كل مغادرة …
جزء نابض بداخلنا يتوقف …
مع كل مريض …
جزء بداخلنا يصيبه إعياء …
مع كل رفقة عمر …
أنسنا لها و ألفناها وحشة كبيرة ..
بعمق الفرح الذي كان ..
و الحزن الكبير على كل ما لم يكن …
في بعض التحليق رحمة ..
هروب ٌمن داء لا شفاء منه …
و في بعض التحليق عبورٌ ..
لسماء أخرى …
و حياة أخرى و خلود .
للأرواح التي غادرتنا اليوم …
و التي غادرتنا و ستغادرنا …
سلامٌ و حبٌ و دعاء …
من قلب سيعيش لوقت محدود ..
في أرض ستفنى …
و تحت سماء ستطوى ذات حين ..
كطَيّ السجل .