صابرة
انتهت مواسم الحزن أم بدأت ؟
ثلاثة أيام مضت و بها كان للأنشغال مجال ، وجوه تأتي ، وجوه تذهب ، رثاء يكتب و اطراء يقال ، و هي وحدها تعرف بأنه لم يكن في عينيها مثل سواه و لا يشبه لديها أي رجل من الرجال .
أغلقوا الباب ، و أفترق الناس ، و بدأ الحزن الحقيقي يقترب ، يعطر ممر الوصول ، و يدخل دون أن يطرق الباب ، يتمدد على أريكته ، في مكانه المفضل ، يُعلن في غيابه القادم عن وجوده الدائم و يتركها هنا تتأمل مقعده الخالي ببرود كئيب و دون أن يبالي ، و هي في هذا الصباح قررت أن تبدل مقعدها ، لا تجلس في مكانها المعتاد قربه و تتأمل زاويته ، بل تجلس في مكانه ، و تتخيل أنها تسقط في أحضانه ، و تجعل شعرها المسترسل يلامس ظهر الأريكة التي أحتضنت ظهره طويلاً .
صابرة هي في حياته ، و صابرة في المصائب ، و صابرة حتى على فراقه و بعد موته ، جلست تفكر كيف لها أن تتواصل معه ، كيف تُسعده ، كيف تُعطيه في الغياب ما يليق به ، هو الذي أعطاها في حياته الكثير من حبه و رضاه ، و ترجم ذلك في هدايا و عطايا كانت تعيد أغلبها لأصلها المالي و تبيعها بربح ، ثم تصرف بعضه صدقات و دفع بلاء عنه و عنها و عن أسرة كونتها معه و كافحت قدر المستطاع على أن تبقي مترابطة كما تُحب هي ، لكن في غمرة الزمن ، و وفق طبيعة الكون ، نجد أن أكثر ما حاولنا الأحتفاظ به – و سعينا لذلك – بغتة يمضي من بين ايدينا و في فجر تضئ شمسه نفتح ايدينا و نجده ضاع .
لنحزن دون أن يشعر بحزننا أحد ، فالمشهد مكرر ، عرفه سوانا ، لذا كانت تُخبئ انفعالاتها و تنشغل بالآخرين ، هرباً من تفكير لن يوصلها لشئ حقيقي ، هي الراغبة بدخول الجنة من باب الصبر و كانت طوال عمر تسعى لذلك .
قررت أن تكون قوية كما هي ، و قوتها ليست بصوت عالي أو بصراخ ، بل بهدوئها و تماسكها ، كنخلة تعصف حولها الرياح و تظل ثابتة ، تخبر البدو الرحل من حولها بأنها بخير ، و ستكونون كذلك ، فقط استقروا و اثبتوا ، فما هي الا عاصفة عابرة في حياتنا و ستمضي لتبقى أحلى ذكرياتنا في هذه المنطقة ، و أحلى الشعر الذي قيل ، و أحلى ماء شُرب من نبع كنا به قرب رفيق و خليل .
كانت تحاول أن تعكس ثوابتها على محيطها ، تردد الحمدلله كثيرا ، و لا تتمادى مع عاطفتها و للدقة التعبير لفظياً عنها ، فقط السكون و الأحتواء حتى لعاطفتها ، تجلس على مقعده في أحد صباحات غيابه ، و هي تدرك أن لا عودة له ، و تردد في قلبها و لا فقدان ، فأنت هنا ، في وجوه ابنائك ، و في اسمائهم ، و في ذاكرتي ، و في اختيارتك ، و اشيائك ، و حتى المال الذي تركت هو مالك ، و سيفنى بعضه لك و لأجلك و ستشعر به بطريقة أو باخرى ، سنتواصل رغم الغياب ، و رغم الموت ، فهناك الدعاء و فعل الخير ، و الذكريات التي هي بمجملها كل العمر ، سنلتقي حتماً ، و ان لم نتصافح ، و ان لم أرى عيناك ، و سأحبك دوما و ان لم أسمع اسمي بطريقتك حين تنطقه شفتاك ، أنت هنا ، في البومات الصور ، في البراويز ، و قبل كل ذلك في قلبي ، كوشم لا يُمحى و سيبقى على القلب عزيز .
انتهت مواسم الحزن أم بدأت !؟
هو أمر لا يعنيها ، لأنها ستعيش حياتها و كأنه لم يزل فيها ، ستتخيله بأنه مضى لرحلة سفر طويله ، و ستتخيل بأن المتبقي أيام قليله و ستمضي مثل كل شئ و تهون بالصبر .
الصبر هو سُلم السَّلوى، الصبر نستحلب به السكر الذي تحلو به قهوة حياتنا المرة، الصبر قد يأتي وحده، لكنني أظنه يحب رفقة الذين نحبهم، ويساندوننا، يجيئ معهم، وهو هبة من الله سبحانه، نطلبه في دعاءنا حتى يحبنا، والله يحب الصابرين، جعلنا الله وإياكم منهم ومن نحب.
علي said this on فيفري 19, 2016 في 10:00 ص |
رأيت شقيقتي في هذا النص ..
أحمد said this on فيفري 20, 2016 في 8:05 ص |