رسالة إلى صديق قديم

18may2016

عزيزي نعمان

أعلم بأنك وفق كل المعطيات لم تزل على قيد الحياة ، لكني أدرك ايضا بأن نعمان المتواجد اليوم يشبهك و ليس أنت !
حاولوا أن يجملوك ، يجعلوك أكثر عصرية و حداثة ، و لم يعلموا بأنهم يجردونك من ملامح عرفناك بها و يبعدونك عن أسلوب عُرفت به لدينا .
لا اعترض عما يحدث ، فهذه سنة الحياة ، و ستكون نعمان آخر له ذكريات مع جيل آخر ، كل ما أتمناه أن يعيشوا أيام حلوه مثلنا ليكونوا معك و مع أسرة ” شارع ٢٠ ” تاريخ ممتع لا تنقصه الفائدة أو الأرتباط بالبيئة و الجذور ، و يحتفظون داخلهم بذكريات عديدة تتدفق حين يسمعون كلمة ” أفتح يا سمسم ” .
لم يكن لون جفونك ازرق ، و لم يكن أنفك مثلما هو الآن ، حتى طبيعة شعرك تبدلت و باتت طويلة و أقرب لخيوط مكنسة القماش التي ينظفون بها الأرض !!
لا أدري إن تعرضت لحمية حادة أم لعملية شفط دهون ، لكن المؤكد أن هناك شئ آخر بالعمق قد تبدل ، هي الروح التي كانت تسكنك ، الأحساس الذي كنت تتحدث به و حتى نبرة الصوت .
لست أتحامل هنا عليك و لكني صدقاً لم أعد أعرفك ، و حين رأيتك في أحدى الحلقات فضلت عدم مشاهدتك كي لا أشوش بداخلي ماضي عرفته ، و لا أفسد على الآخرين واقع جديد يعيشونه ، و ربما كانوا يستمتعون فيه .
هل تشعر بأني عجزت ؟ فقدت قدرتي على التكيف و المواكبة !؟
بت أعيش بمعزل عن العالم في عالم موازي مزدحم بكل ما هو قديم و أرى به بعض ملامحي التي أعرف !؟
هل طبيعتي التي تغيرت هي طبيعة عمر و مرحلة زمنية جديدة ؟
و هذا التعلق بكل ما هو قديم .. هروب ؟ .. أم عشق حقيقي ؟
و هل تذكرني في ذلك السن الصغير ؟ .. لم أكن بذلك التعقيد اليس كذلك ؟
أدرك أن اسئلتي ستظل عالقة هنا بلا أجوبه ، و بأن رسالتي لك لن تصل ، ربما تصل لبيت يحتويك ، تعبر أمام جسد أخذ خطوطه من جسدك ، لكن أنت اختفيت ، و برحيل الروح التي كانت تسكنك لم تعد كائنا حقيقياً ، عدت مجرد رداء ثقيل يفتقد من كان يحركه و يحييه .
هل تذكر هذه الصورة التي التقطت عام ١٩٧٩ لك في شارع عشرين ، تظهر بها مع ليلى الممرضة و تتناقشان حول المشهد القادم قبل التصوير ، هنا ظهرت روحك التي لم نشاهدها ، الراحل عبدالله الحبيل المختبئ دائما بداخلك  و ليلى حين كبرنا ادركنا بأنها فتاة سعودية اسمها سناء يونس كانت تؤدي دورها فحسب ، أنت كنت من الكويت و عم عبدالله بائع الألعاب كان كذلك ، حتى خليل صاحب الدكان و المهندس حمد جميعهم كانوا من موطنك ، أما هشام الذي يصلح كل ما هو تالف أتى من العراق و المعلمة فاطمة من البحرين .
رغم اختلاف الدول التي أتيتم منها لم نشعر في ذلك الوقت بشئ ، فقد كانت اللغة الفصحى تجمعكم ، و القيم و المبادئ الانسانية المشتركة تقربكم ، و في شارع عشرين نعيش معكم و نحن نمكث أمام التلفاز في بيوتنا ، بل و نتجول للأقطار العربية الشقيقة عبركم في كل حلقة ، و نخرج دائماً بشئ جديد حتى لو كان حرف أو كلمة أو معلومة .
كنت يا نعمان بروحك الخفيفة المختبئة داخلك ، تحمل جسدك الثقيل طوال ساعات ، تتحرك في الاستديو تحت كشافات الضوء الحارة ، لتضيف لنا و تضحكنا ، حتى و أنت منزعج داخل هذا الجسد طوال أوقات التصوير .
لقد عشنا زمن به النزعة الفردية لم تظهر بشكل كبير ، و كان الشخص ممكن أن يتكيف و يتنازل و يضحي لأجل  الجمع الغفير ، لم يعد العالم اليوم كما عرفناه سوياً ، لم تعد هناك قضايا و ذاكرة مشتركة ، بتنا نحيا في بيت واحد ، و كل منا يعيش في كوكبه وحيداً ، نتحرك في نفس المجرة و حين نلتقي تغيب التلقائية و يحضر الحذر ، فكل منا بات يجتهد أن لا يتصادم مع الثاني تجنباً لأي خسارة اخرى .
لا يوجد الكثير لدي كي اضيفه ، هي رغبة في التواصل معك و السؤال عنك بحثاً عن اطمئنان داخلي و جذور و أبعاد تمنحني في هذا العالم العاصف بعض الاستقرار و الأمان .
شكراً لأنك كنت هنا ذات وقت .. و شكراً للأيام الحلوة التي يصعب محوها أو تشويهها أو استبدالها بأيام اخرى قد تبدو مضيئة و ملونة ، لكنها فعلياً لا تشبهني و ليست وقتي و ليست أنا !!

 

~ بواسطة يزيد في ماي 18, 2016.

4 تعليقات to “رسالة إلى صديق قديم”

  1. رائعة جدا أعجبني كل حرف هنا … ويال الذكريات لكن من مثل دور نعمان بالجزء الثالث … ؟؟

    • شكرا لك … و بالنسبة للسؤال فلك الإجابة نقلاً من ويكبيديا :

      ( … في سنة 1989 أنتج الجزء الثالث[6] من البرنامج بالفعل، وعاد فيصل الياسري إلى الاشراف عليه وأن يقود فريق المخرجين وفي سنة 1990 حصلت أحداث حرب الخليج الأولي وقد بثت 44 حلقة من أصل 120 حلقة مفقودة. هذا و قد أدى التوتر السياسي إلى إلغاء العديد من المشاهد التي أداها مؤدون عراقيون. … نعمان وقام بدوره الممثل عبد الله الحبيل وفي الجزء الثاني مثله الفنان العراقي سعد عباس وبالجزء الرابع يقوم بدوره الفنان عبد الله قاسم . )

      … مع المزيد من البحث اتضح لي ان الفنان العراقي سعد عباس قام بشخصية نعمان في الجزء الثالث ، للمزيد زيارة رابط هذا الفيديو :

  2. في هذه التدوينة سمعت صوت الوفاء والحنين، للروح ولكل ما أحاط بها في وقت مضى، توثيق رائع ولطيف سلس وأخّاذ دوما يا يزيد، شكراً.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: