العادة بالتعود

باتت عاده أن يتم تشغيل قناة ” ام بي سي ” بعد الأفطار في رمضان ، فلا التلفزيون السعودي الرسمي استطاع أن يساعد الجمهور على ان يقترب منه ، و لا الجمهور بات لديه الرغبة في البحث و الاستكشاف ، و بات الأمر في النهاية “عادة” .
علما أن ما يقوم بمشاهدته الأغلبية في تلك الساعة هو ” مادة سعوديه” بحته ، تشبه ما كان يبثه التلفزيون السعودي ايام حلقات “طاش ما طاش” فقط مع تبدل العنوان و استبدال البطل الآخر بأبطال .
مع الوقت بات برنامج “سيلفي” الذي اكتسب اسمه مع بداية ظهور موضة الصور الشخصية بالهواتف النقالة ، عادة اخرى في رمضان ، و استمرت الحلقات بالتوالي رمضان بعد آخر و ستستمر لزمان ، مثله مثل “طاش” و أي عمل يعد لدى الاعلام السعودي خاصة و الغربي عامة “بيضة الديك” المربحة ، فيستنزفه و يستنزف معه المشاهدين لسنوات ثم ينتهي الأمر بفتور و حرق لجميع الاوراق حتى اللحظات الحلوه قد تنسى من فرط طول ما قدم و كثرته في بعض الاحيان .
وعند الكثرة قد نتغافل عن الجودة و الاجتهاد في بعض الاوقات ، و نسعى لإحداث الأثر أكثر من توصيل الرسالة ، و قد نتمسح باهداف عظيمة و نحن نقدم ” مادة نصية هزيله” !
في هذا الموسم شاهدت حلقة اليوم و البارحة لوجود بعض الافراد الذين حرصوا على مشاهدتها ، فكانت المشاهدة جماعية ارغامية لأجل استمرار الروابط الاسرية ، و كانت ” لحظة الاعلانات” هي اللحظة التي “نكتم” بها صوت التلفاز و نهمل شاشته التي دُفع بها في هذا التوقيت تحديدا مبالغ طائلة قد لا يعلم المعلنيين اننا ننتهز بها الوقت للقيام بامور صغيرة أو الغرق في أحاديث جانبية و قد تبدأ الحلقة دون أن نشعر أو نهتم .

حلقة البارحة التي بثت في هذا العمل الكوميدي ، لم تكن مضحكة ، لم تكن تراجيديه ، لم تضحكني و لم تدفع حتى محبي البرنامج و متابعيه الدائمين ممن هم حولي على الابتسام .
القصة تدور حول رجل “سكران” مع رفقته ، عاد لمنزله برفقة صديقه الذي اوصله ، و قبل الدخول تذكر بأنه نسى مفتاح بيته في “الاستراحة” التي سهر بها معهم .
عندها يقرر – و هو بهذه الحالة – أن يعود ليأخذ مفتاحة من هناك ، عبر ركوبه “دراجة عادية” ، استطاع أن يتحكم بها رغم الوضع الذي به و طوال طريق قد يأخذ بالسيارة احياناً أكثر من ٤٥ دقيقة ، ليصل رغم عدم تركيزه ، ثم يحاول أن يعود بها عوضا أن يكمل نومه بعد هذا الجهد في الاستراحة ، للحد الذي توقعت به أن البطل قد خلط ما شربه بأحد مشروبات الطاقة !
في طريق عودته تخور قواه اخيراً ، ثم يأتي ” من باب الصدفة” صديق طيب و طاهر استطاع أن يراه  بالطريق السريع المظلم  ،  يذكره -عوضاً عن الدهشة- بأنه قد اسدى له معروف سابقاً لذا سوف يوصله إلى منزله و يرجوه أن يركب معه .
تتوالى الاحداث في ايقاع ليس طويل و ليس قصير ، لكن تشعر داخليا بأنه “غير منتظم” ، لتدور أغلب الاحداث داخل سيارة مضيئة – لنشاهد الابطال في الحوارات الجانبية – و التي كان احدها حديث عن “المواطنة” ،  ليقول السكران عبر شاشة يشاهدها  الجميع في رمضان و يلقي سؤاله التهكمي المهم ” كيف يكون لدي الشخص “مواطنة” وهو لا يستطيع ان “يسكر” في وطنه ؟!”.

ليحدث لبس بين مفهوم المواطنة ، و الحرية ، و الانحلال ، فالمواطنة لا تتساوى مع هذا الهدف ، و الحرية لا تتجرد من المسئولية ، و الانحلال يحدث احيانا فهنا ليس موطن الملائكة ، لكن الربط و لو من سبيل ” النكتة” لم يكن بالتأكيد ضيق في الجُمل المطروحة أو مؤامرة أو جهل ، هي جملة “تم اختيارها” لسبب ما لا أعلمه ، لكنها كانت قادرة على أن تستوقفني بشكل مثير للانتباه و أجد شخص آخر لا أعرفه البتة قد التصقت الجملة في ذهنه ، مما دفعني لسؤال شخص آخر عن اي الجمل في حلقة امس علقت و بقيت معه فكانت هذه العبارة ، التي قد تحدث لخبطة و ارباك لصغار السن ممن يشاهدون العمل مع اسرتهم بعد الافطار ، و لا باع ثقافي لديهم يُعرف لهم معنى المواطنة الحق .
هي جملة لم يُحسن الكاتب اختيارها و لا أجد ان الحلقة التي تشاغل الناس عنها بأحاديث جانبية كانت جيدة ، و مع هذا ظل هؤلاء الصغار بعيونهم المستكشفة محدقين بالشاشة ، تارة بابتسامة و مرات اخرى بدون ، لكن المؤكد إنهم “تعودوا” فعل هذا الامر كل رمضان و تمت برمجتهم تلقائيا و في هذا التوقيت تحديدا ً .

حلقة اليوم ايضا عزفت على تيمة “السني” و “الشيعي” ، بل و استحضرت “نموذج” الشخص اللطيف ، الطيب ، و الذي لا يصلي ، حيث يمرر عبارة جديده يقر بها بأنه يشرب و لا يصلي ، و يتذمر بأنه حين صلى وجد ارهابيا يود التفجير نفسه !
نكرس “نموذج” يشعر ابنائنا ممن يتكاسلون عن الصلاة بأنهم ليسوا وحدهم ، بل يوجد شخص مثلهم ، و ربما كان افضل ممن هو ملتزم ويصلي ، ليخف انزعاج ضمائر بعضهم و يستمرون بمتابعة بطل يحمل بعض ملامحهم بشغف و ارتياح .
و مرة اخرى عوضا عن الانتقال للاستديو ، ننتقل الى السيارة مرة اخرى ، ليدور بداخلها حوار بين ابطال العمل ، فنشاهد حالة تكرار أصبحت “تيمة” عمل ، بها يتم جمع نموذجين متناقضين داخل مركبة واحده ، و من ثم ننتقل معهم لمكان بعيد ، و هذه المرة كان الصحراء برفقة الحطب و النار و الدف و العود ، و عناق في الاخير مع أغنية وطنية أحبها ، و لم أجد أن توظيفها هنا قد أضاف لها أو أضاف للمشهد شئ مميز و فريد .

ما شاهدته كان أقرب إلى فيلم “مع حبي و اشواقي” حيث يأخذ محمود عبدالعزيز الشاب البسيط سهير رمزي الفتاة الغنية التي تزدريه في جزيرة نائية ، ثم عبر الوقت تتبدل علاقتهم من مقت و شجار إلى ود و تعارف ، تطبيقاً للقول القائل “ما محبة إلا بعد عداوة” .
هذه التيمة تتكرر في افلام عربية و اجنبية عدة ، و غالباً بين رجل و امراة ، و لا غضاضة من اضافتها هنا ، لكن شعرت داخليا بأنها مفتعلة بعض الشئ و لم تلامس أي إحساس وطني لدي ، لا لعطب لكن لكوني قد درست مع طلبة شيعة ، و استلفت منهم دفاترهم المنظمة ، و أعطوها لي برحابة صدر ، و ادرك ان “الشجار” الوطني لم يكن يوما بين هذه الفئتين فحسب ، فهناك الشجار بين السني و السني و الشيعي و الشيعي و ما تمت مشاهدته هنا لا يعدو سوى تسطيح و محاولة منح عمل “مهترئ” قضية أكبر من حجمه .

من المؤكد أن ناصر القصبي موهبة لم تستغل بشكل يليق بها ، لم توضع في اطار يمنحها مدى اوسع ، و ربما كان يرى بأن هذه حدوده و يخاف تجربة شئ أبعد ، و كأن الفريق ككل يتبع سياسة “شئ تعرفه أفضل من شئ لا تعرفه” .
يظل المشاهد هو الأهم في كل ما يحدث ، فالمادة موجهة له و المحزن إنه رغم عدم اعجابه بها يراها ، ربما لأجل التعود أو رغبة في مواكبة ما يدور حوله و ما يتم الحديث عنه ، لكنه بالتأكيد إنه يستحق شئ أفضل مما يراه لا سيما و إنه “الترس” الأهم في عجلة الربح التي تجنيها القناة من هذا الإعلان أو ذاك .
أما المأساة حقاً فهو هدر هذه الاموال المهدورة من قبل المعلنين الذين لا أعلم إن كانوا يعلمون أو لا يعرفون ، ما الذي يفعله كل منا وقت الإعلان فعلاً ، و من منا قد يتأثر حقاً أو يتفاعل مع مُنتج عابر !؟
فما اراه حولي أن خير مُعلن هو “عميل راضي” يحدث سواه بما جربه ، أما ما نراه على الشاشات فقد بات بداخلنا احساس بالريبة صوبه ، و خوف بأنه قد يكون مقلب آخر كمقالب رامز التي لا تُضحك احداً و لكن فقط تزيد من هامش ربحيته فحسب .

17jun2016ffdfdf

~ بواسطة يزيد في جوان 17, 2016.

رد واحد to “العادة بالتعود”

  1. بالمقابل لا ننكر وجود العديد من الحلقات الرائعه والتي ترينا قضايا المجتمع من زاوية مختلفه ابدع بها القائمون على العمل .. احياناً يكون الضحك على تناقضاتنا هو نصف الحل

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: