مع قهوتنا
كثيرة هي الاشياء التي تستحق المشاركة ، لكننا لا نفعل لأننا قد نكون بذلك ننتهك جمال اللحظة ، كما ننتهك انفسنا حين نقدمها بيسر و سهوله لمن لا يرغب بها أو من يتعالى عليها أو من لا نعنيه اصلا بشئ .
المدى المفتوح بعثر اشياء كثيره ، بعضها مما نمكله و بعضها مما يسكن بداخلنا ، حتى عاطفتنا لم تعد نقية كما كانت لانعكاس عيون الآخرين عليها و متابعتهم لكل خفقة قلب عبر الصور و عبر الشاشات .
هي رحلة مواكبة التطور و الخروج من الانا و فرشها كسجادة حمراء تطئها اقدام الغرباء ، و هي الغربة و الوحدة و عدم الاندماج و اشياء عديدة ما قد يدفعنا الى هذا التعري اكثر من حب المشاركة حقا او الرغبة بالافادة .
هو عمر ايامه معدوده و محسوبه علينا ، نضيع بعضه في ندم و شوق و انتظار و ترقب و لعل و عسى ، رأس لا ينظر الى الامام بقدر ما يتلفت للخلف بحثا عن ذراع احبها تمتد له أو طوق نجاة ينجده مما هو غارق به .
هي العتبات الجديدة التي كنا نطأها في السابق بتلهف وسعاده و رغبة بالاستكشاف ، و بتنا نتخطاها برهبه و هيبه و توجس و خوف مما هو قادم و عدم ثقة به ، هي التجارب تكسر في انفسنا شئ ، لا تعلمنا فحسب .
كثيرة هي الاشياء التي من الممكن ان نكتب عنها ، لكن ارواحنا المتعطشة للتحليق هربا من لزوجة هذا الكون ، لم تعد راغبة ، انتابها احساس رمادي ، داكن ، يتسرب داخل العروق و يسبح بها ، فيدفعها لكسل اجتماعي و عزلة و عزوف عن اشياء كثيرة كانت تفعلها بالسابق و تكاد تتفجر سعادة و هي تفعل !
هو الوقت ، التجارب ، خذلان الآخرين ، خذلاننا لأنفسنا ، سوء اختيارتنا ، تخبطنا بين المتناقضات ، و لهفتنا للقبض على كل شئ بيد واحده ، نريد المتعة و الفضيلة ، الحياة و الجنة ، و نفعل كل هذا لا بنفس مطمئنة بل بتطرف ، حتى سعادتنا التي لم نحصل عليها نزيفها و ندعيها في صور ننشرها كغسيل قذر نحاول تبيضه و ابهار العابرين برائحته و الوانه .
هو الزيف المتفشي بداخلنا و حولنا ما يشوش رؤيتنا ، هو الخوف من الخسارة ما يدفعنا للخسارة و عدم الفوز ، هي المفاهيم المشتركة الخاطئة ما نسجن ذاتنا في زنازينها ، و القيم المادية البحتة ما نتمسك بها ، و سوء الفهم اليومي ما نعيش عليه ، ثم نتسائل عن الجحيم الذي يحيطنا و النيران التي تلتهم اجمل ما بنا و نتضجر من نتائج اعمالنا كأي صغير مزعج لا يعي التجربة و لا يفهم الابعاد و كل ما يحزنه تحطم لعبته التي كان يحب او ضياعها ، دون ان يحمل ذاته ادنى مسئولية ، يتجاوز اهماله ، عدم حرصه ، ضعفه ، و كافة غرائزه التي لم يهذبها و يبكي و يعلو صوت صياحه في هذا العالم و دون ان يسمعه احد ، فكل منا متشاغل ببكاءه المنفرد و حزنه الخاص ، انه زمن الايادي التي لا ” تطبطب ” او تربت على كتف ، زمن الايادي التي تحاول ان تقبض على اي شئ تستطيع القبض عليه و المنزلقة دائما ، فلا شئ تقبض عليه اخر المطاف – و ان قبضت لفترة – سوى الريح و الماء المتسرب من بين اصابعها كالوقت و العمر و الارواح التي كنا نحب .
كثيرة هي الاشياء التي لم نُقدرها و لن نتمكن من الاحاطة بها ، اكثر من الغرور الذي يسكن انفسنا ، و الكبرياء المفضي الى لا شئ ، و اكثر ايضا من ندم مباغت يأتي في صباح غائم ، و اعمق بكثير من احزاننا اليومية التي نشربها كل صباح مع قهوتنا بهدوء و باستسلام تام !
ما أثر بي هنا أنك تكتب لتوضح .. تنقد لتصحح .. لا العكس ، أحببت هذا الموضوع بالقدر الذي آلمني به .
تفاصيل said this on أوت 5, 2016 في 7:22 م |
احببت الزاوية التي تشاهدين بها سطوري لكونها مختلفة مثلك و عبرها تفسرين الامور وفق منظور خاص و يشبهك .
يزيد said this on أوت 7, 2016 في 4:08 ص |
اعتقد انها سوف تكون افضل تدوينه لك في ٢٠١٦ بلامنافس ، اعشق هذا النوع من تدويناتك التي تلامس امور كثير بالحياة وتحرك المشاعر بطريقة مختلفة عن اي شي اخر واختيار الموسيقى اكثر من رائع والصورة الرمزية مميزة وفيها حياة اعتقد هذه المنطقة في نيويورك.
لو تخلي مدونتك باشتراكات انا اول المشتركين 🙂
حفظك الله واسعد قلبك
ياسر said this on أوت 6, 2016 في 3:00 ص |
حتى انا احببتها ، لكونها لم تكن مرهقة بالكتابة ، و كانت درجة تواصلي مع ذاتي سهلة ، و ما افكر به اعبر عنه بيسر و سهولة ، و دون المرور بكلمات تشابه ما اود قوله لكنه ليس ما رغبت فعلا بالحديث عنه .
الموسيقى كانت رفيق اثناء الكتابة ، لذا شعرت من باب التقدير ان اضيفها هنا و ايضا لشعوري بانها باتت نسيج واحد مع الكلمات و يعني لي ان توضع للمتلقي كما ولدت تماما !
اما عن الصورة فهي من الانترنت ، و كانت هي تقريبا ما ابحث عنه ، توصل المعنى و مؤثرة ، مزدحمة و لا تخلو من ظلال الوحدة كذلك .
فكرة ان يكون الموقع باشتراك لا اجدها تعبر عني و ذلك لكونها تجرده من اهم ما به ، فهو في منظوري ” حديقة عامة في حي هادئ يقصدها فئة محدودة تحب المكان و ترتاح له ” و لم يدر بخلدي يوما ان احولها الى ” ديزني لاند ” علما ان المادة مهمة و مهمة جدا لا سيما في عصرنا هذا .
ختاما حفظك الله لكل من تحب و جعل للسعادة مسكن دائم في قلبك و رزقنا جميعا من حيث لا نحتسب و بارك لنا في اعمارنا و حياتنا و احسن خاتمتنا و جمعنا في جنات لا حزن بها و لا ماديات 🙂
يزيد said this on أوت 7, 2016 في 4:20 ص |
أقرأ الموضوع الذاتي المسترسل، وأفكر بالتعليق قائلاً: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، هذه الكلمات رفيقة كل صبح وكل كوب قهوة أول جديد، ثم ألتفت على التعليقات وردودك عليها وأقول بارك الله فيك وفي هذه الحديق الغناء، عبرت عن الكثيرين بكلماتك المباشرة.
علي said this on أوت 9, 2016 في 8:20 ص |
شكرا علي و هذه 🌸 من الحديقة .
يزيد said this on أوت 9, 2016 في 11:12 ص |