أحزان شجرة

1nov2016dddfdf

في تلك الأيام البعيدة كانت ترى الأشجار التي تحيط بها مرايا لها ، تشعر بأنهم كبروا معها ، و بأن الظروف التي مرت بها مروا بها ، لامست اوراقها نفس الريح التي لامستهم ، و اهتز جذعها حين اهتز جذعهم ، عاشوا معاً نفس الزمن و نفس الظروف .
في تلك الغابة المنسية كطفولة بعيدة عاشوا ، إلى أن أقتربت خطى الحطابين ، الباحثين عن أشجار تعانق السماء و جذورها ثابتة في الارض ، و كان المكان بالنسبة لهم حُلماً تجسد في الحقيقة و في دقيقة رأت أقرب الأشجار لها يتهاوى بضربة فأس .
راقبت ذاك الشئ الصغير ، و ما أحزنها أن به جزء خشبي ممتد كيد تصافح القاتلين ، أدركت بأنه صُنع من حديد يعكس أشعة الشمس و من شجرة اخرى باتت تُستخدم لقتل الآخرين .
مرت بها الليالي و الأعوام  ، تدرك أن البعض يفنى ليتدفأ بعض آخر ، و بعضاً آخر يصبح اثاثاً و قطعاً في منازل ، و هم هنا يقفون و لا يملكون القدرة على الفرار أو الركض ، فقط متابعة المشهد دون معرفة أو دراية بمن الآتي و من القادم .
في تلك المرحلة من عمرها باتت ترقب كل ما حولها بشكل اكبر ، لا خوفا بل حرصاً على حفظ كل ما أحبته و رغبت بالاحتفاظ به في ذاكرتها ، أصبح طقساً عادي كمشاهدة شروق الشمس أو غروبها حدثاً تحمد الله انها عاشت و كانت قادرة على مشاهدته ، فهي تدرك بأن يد الحطاب تمضي بلا تخطيط و بلا استئذان ، عاشت تلك المرحلة و هي ممتنة لكل يوم جديد و كأنه هبة ، لكن ظل بداخلها خوف يكبر و اضطراب يهزها ، و افتقاد لكل من مضوا و للأمان ، حتى العصافير التي أعتادت وجودها هاجرت بعيداً عن اراضيهم ، و المشهد غدا أكثر صمتاً ، تلونه يد الوحشة و فرشاة الأحزان .
سقطت ذات يوم و لم تعد تذكر الكثير سوى انها عادت ذات يوم للغابة ، معانقة يد العدو و دون ان يعرفها أحد ممن كبروا معها ، جائت على هيئة فأس كرهته لتجرح جذوع احبتها و تأخذ بيد قاتلها و قاتلهم ، تُبدل حياتهم و تحولهم لأشياء قد لا تعرف ما هي ، لكن ما تعرفه انهم لن يعدوا كما كانوا ، و ما هي متيقنة منه انها حزينة و تكره ذاتها فهي تخيلت كل شئ إلا أن تكون هذا الفأس الذي يؤذي من عاشوا في قلبها و يعبث في هذا المكان !

” هل بدأت التحول للشخص الذي لطالما كرهته؟ ” .
. تشارلز بوكوفسكي .

~ بواسطة يزيد في نوفمبر 1, 2016.

2 تعليقان to “أحزان شجرة”

  1. دوما يكبر في داخلي شعور أن البشر كالأشجار، كثيراً ما أراني مثل شجرة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: