أحزان شجرة
في تلك الأيام البعيدة كانت ترى الأشجار التي تحيط بها مرايا لها ، تشعر بأنهم كبروا معها ، و بأن الظروف التي مرت بها مروا بها ، لامست اوراقها نفس الريح التي لامستهم ، و اهتز جذعها حين اهتز جذعهم ، عاشوا معاً نفس الزمن و نفس الظروف .
في تلك الغابة المنسية كطفولة بعيدة عاشوا ، إلى أن أقتربت خطى الحطابين ، الباحثين عن أشجار تعانق السماء و جذورها ثابتة في الارض ، و كان المكان بالنسبة لهم حُلماً تجسد في الحقيقة و في دقيقة رأت أقرب الأشجار لها يتهاوى بضربة فأس .
راقبت ذاك الشئ الصغير ، و ما أحزنها أن به جزء خشبي ممتد كيد تصافح القاتلين ، أدركت بأنه صُنع من حديد يعكس أشعة الشمس و من شجرة اخرى باتت تُستخدم لقتل الآخرين .
مرت بها الليالي و الأعوام ، تدرك أن البعض يفنى ليتدفأ بعض آخر ، و بعضاً آخر يصبح اثاثاً و قطعاً في منازل ، و هم هنا يقفون و لا يملكون القدرة على الفرار أو الركض ، فقط متابعة المشهد دون معرفة أو دراية بمن الآتي و من القادم .
في تلك المرحلة من عمرها باتت ترقب كل ما حولها بشكل اكبر ، لا خوفا بل حرصاً على حفظ كل ما أحبته و رغبت بالاحتفاظ به في ذاكرتها ، أصبح طقساً عادي كمشاهدة شروق الشمس أو غروبها حدثاً تحمد الله انها عاشت و كانت قادرة على مشاهدته ، فهي تدرك بأن يد الحطاب تمضي بلا تخطيط و بلا استئذان ، عاشت تلك المرحلة و هي ممتنة لكل يوم جديد و كأنه هبة ، لكن ظل بداخلها خوف يكبر و اضطراب يهزها ، و افتقاد لكل من مضوا و للأمان ، حتى العصافير التي أعتادت وجودها هاجرت بعيداً عن اراضيهم ، و المشهد غدا أكثر صمتاً ، تلونه يد الوحشة و فرشاة الأحزان .
سقطت ذات يوم و لم تعد تذكر الكثير سوى انها عادت ذات يوم للغابة ، معانقة يد العدو و دون ان يعرفها أحد ممن كبروا معها ، جائت على هيئة فأس كرهته لتجرح جذوع احبتها و تأخذ بيد قاتلها و قاتلهم ، تُبدل حياتهم و تحولهم لأشياء قد لا تعرف ما هي ، لكن ما تعرفه انهم لن يعدوا كما كانوا ، و ما هي متيقنة منه انها حزينة و تكره ذاتها فهي تخيلت كل شئ إلا أن تكون هذا الفأس الذي يؤذي من عاشوا في قلبها و يعبث في هذا المكان !
” هل بدأت التحول للشخص الذي لطالما كرهته؟ ” .
. تشارلز بوكوفسكي .
دوما يكبر في داخلي شعور أن البشر كالأشجار، كثيراً ما أراني مثل شجرة.
علي said this on نوفمبر 6, 2016 في 9:42 ص |
احيانا نكون كذلك .. نظلل الآخرين .. و يتدفئون بنا .. و يكسروننا او نكسرهم !
يزيد said this on نوفمبر 6, 2016 في 12:44 م |