قهوة الصباح في منازل الأحلام الجميلة

25dec2016ddd

مع صوت اذآن الفجر جذبني الغلاف ، سعف النخيل و ضوء الشمس البادي على واجهته ، دون ان أعرف هل هو شروق لها أم رحيل !
أحببت الاهداء في الصفحة الاولى ، ثم بدأت في قراءة رسالته الأولى و التي كان عنوانها ” الطريق التي مشيت عليها ” .
كان الكتاب عبارة عن مقالات ادبية مليئة بالبوح ، صيغت في قالب رسائل يوجهها إلى ولده و ابناءه عامة ، بعض السطور اثرت بي دون سواها ، و وجدت ذاتي تلقائياً أعلم على هامشها بقلم الرصاص ، شعرت بأنها رسائل لم يجف حبرها و كأنها كتبت للتو ، بها يبحر الشيخ داخل تركيبة المجتمع ، يرصد تحولاته التي تنعكس على الفرد ، يفعل ذلك دونما اسلوب اكاديمي أو تنظير ، فقط بوح صادق و مؤثر الى حد كبير .
هنا قد تتداخل الأفكار لكنها تظل مسترسله وفق اسلوب لغوي مليئ بالشاعرية ، تجده و هو يخاطب ابناءه يحكي عن بعض حياته ، يحذر مما هو قادم ، و يسجل قراءته للحاضر الذي يعيشه و تصوره للمستقبل الآتي ، يدون رسائله دونما تعقيد ، يشاركك في تجربته داخل عالم متغير يأتي بكل جديد .
شعرت اثناء القراءة برغبة داخليه في أن انقل بعض السطور هنا ، لعل عابر آخر مثلي قد يجد بها شيئاً مما وجدت ، افعل هذا و انا ادرك أن في استقطاعي لها من نص كامل بعض التعدي عليها و قطع لاسترسالها أو تدرجها ، لكني أعلم ايضا بأن بعض الكتب قد لا نجده بسهوله ، و أن بعض القليل ربما يوصل الفكرة و يعبر عن المحتوى .
في هذا الصباح اخترت أن اجالس الشيخ عبدالعزيز التويجري في ” منازل الأحلام الجميلة ” ، عبر طبعة قديمة صادره في لندن عام ١٩٨٢ ميلاديه من “الدار العالمية للنشر / ادمنتون – كامبردج” و … اليكم سطوره لأبناءه :

( … في ظني أن لكل منكم تصوراته و آماله و طموحه ، لا يمكن لكن أن تكونوا في مستوى واحد ، لكل منكم ذهنه و عقله و تفكيره و مفهومه ، لكل منكم رؤاه و أحلامه ، و لكل منكم حاشيته الداخليه و الخارجيه ، فيكم تتفاعل ردود لأفعال و أقوال و مكاسب تصعد إليكم أو تنزلون إليها ، تسعون لها أو تسعى لكم ، تقابلكم في مفترق الطرق أو على قارعة الطريق .
……….
……………
مات أبي و عمري خمس سنوات لم أجد من يهتم بي أو يكتب لي أو يوجهني أو يخاف عليّ ، و لكن صراعات المجتمع الصغير و البدائي أخذتنا إلى مسارها فعلمتنا بألوانها المختلفة و صورها المتشكلة و مواقفها المتباينة أن لا منجاة لنا من السقوط في المهلكة إلا من خلال تنمية الوعي الذاتي و صون الكرامة من وقاحة النفس أو وقاحة المجتمع الذي يريد أو تريد فئة منه أن تخضعنا للأهواء و النزوات .
……
………
فأول ما تعلمته من مجتمعنا البدائي الصغير أن نبقى دائما مع جذورنا و قريبين من هذه الجذور لا نجنح بعيداً عنها في وجداننا بحيث لا يصيبنا الغرور أو التعالي عليها فنجرح فينا مكارم الأخلاق و جودة المعدن .
………
………..
في هذا المجتمع عشت و تداخلت حياتي معه و صار اليوم إلى ذكرى في نفسي ، ذكرى جميلة و حزينة ، جميلة لأنها قوة تدعمني من السقوط في هوة المدنية المعاصرة ، و حزينة لكونها صارت ذكرى و لم تعد باقية فينا و مجسده .
فملامحها التي أصابها النحول شمسها تدلف إلى المغيب .
…..
…….
و كما ترى فإن أعتى ما في الأرض اليوم هما قوة الغرب بمؤسساته المالية المرابية المتكبرة و قوة المعسكر الشيوعي بمذاهبه المادية المستبدة ، كلا المعسكرين لا نجد لنا عندهما قرابة أو رحماً أو حتى خفقة من خفقات الوجدان الروحية .
…..
…….
و الانسان ماذا قال عنه القرآن الكريم في اكثر من آيه ؟ أمره الحق أن يبصر نفسه ، و إبصار النفس ليس في تقديري أن يقف أمام مرآته ليرى صورته و لكن أن يتعمق في مكنونات ذاته التي لا ساحل لها و لا قاع .
ما اكثر ما لدينا من كرم الله علينا ! و لكننا ناكرون للجميل بخلاء ، و البخيل فاسد المزاج متثلم النفس فاقد الثقة في كل شئ .
………
………….
موائدنا ملأى و نركض في تسول مهين الى موائد الآخرين الجاهزة نأكل من فضلاتها دون احترام لأنفسنا .
…..
………
لا أستطيع أن أضعك و رفقاء دربك في جيبي أو في محفظتي لا ترون أحداً و لا يراكم أحد ، هذا أمر مستحيل ، لا بد لكم من تجربة ، و لا بد لكم من خطأ و صواب ، و لكن إذا شطح بكم الشباب أو الزهد في كثير مما عندكم فلا تبتعدوا كثيراً و لا تسرفوا في الخيال ، بإمكانكم أن تصوغوا لأنفسكم مكاناً و سطاً و لن يكون هذا المكان إلا في أرضيتكم الخاصة ، فأنتم في خارطة هذا العالم و تقسيمه الجغرافي تأخذون المكان الوسط و هذا دليل على دور أمتكم في الحياة .
…….
……..
فإذا حولتنا هذه الحضارة اليوم من واقع إلى آخر و أخذتنا من ضيق ذات اليد إلى سعتها ، و من الخيمة و الكوخ إلى القصر ، و من الجمل إلى السيارة و من التحاف السماء و افتراش الأرض إلى ترف البيوت فماذا علينا أن نفعل ؟ علينا أن نتذكر أن هذه النوبة الجنونية التي أصابت أعماق أرضنا فأخرجت لنا هذا الطوفان المادي ليس لنا النجاة منه إلا إذا صنعنا نحن بأنفسنا من ذواتنا ، من وعينا سفن نجاة ، ألواحها من صلابة أخلاقنا و سلوكنا . ذلك أو الطوفان .
حماك الله ياولدي و حمانا من الغرق …. و إلى رسالة اخرى ) .

~ بواسطة يزيد في ديسمبر 25, 2016.

2 تعليقان to “قهوة الصباح في منازل الأحلام الجميلة”

  1. كتاب جميل في محتواه يصلح لصباحٍ هادي سأضيفه لقائمتي، وبالمناسبه قهوتك تبدو لذيذه!

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: