قهوة الصباح في منازل الأحلام الجميلة
مع صوت اذآن الفجر جذبني الغلاف ، سعف النخيل و ضوء الشمس البادي على واجهته ، دون ان أعرف هل هو شروق لها أم رحيل !
أحببت الاهداء في الصفحة الاولى ، ثم بدأت في قراءة رسالته الأولى و التي كان عنوانها ” الطريق التي مشيت عليها ” .
كان الكتاب عبارة عن مقالات ادبية مليئة بالبوح ، صيغت في قالب رسائل يوجهها إلى ولده و ابناءه عامة ، بعض السطور اثرت بي دون سواها ، و وجدت ذاتي تلقائياً أعلم على هامشها بقلم الرصاص ، شعرت بأنها رسائل لم يجف حبرها و كأنها كتبت للتو ، بها يبحر الشيخ داخل تركيبة المجتمع ، يرصد تحولاته التي تنعكس على الفرد ، يفعل ذلك دونما اسلوب اكاديمي أو تنظير ، فقط بوح صادق و مؤثر الى حد كبير .
هنا قد تتداخل الأفكار لكنها تظل مسترسله وفق اسلوب لغوي مليئ بالشاعرية ، تجده و هو يخاطب ابناءه يحكي عن بعض حياته ، يحذر مما هو قادم ، و يسجل قراءته للحاضر الذي يعيشه و تصوره للمستقبل الآتي ، يدون رسائله دونما تعقيد ، يشاركك في تجربته داخل عالم متغير يأتي بكل جديد .
شعرت اثناء القراءة برغبة داخليه في أن انقل بعض السطور هنا ، لعل عابر آخر مثلي قد يجد بها شيئاً مما وجدت ، افعل هذا و انا ادرك أن في استقطاعي لها من نص كامل بعض التعدي عليها و قطع لاسترسالها أو تدرجها ، لكني أعلم ايضا بأن بعض الكتب قد لا نجده بسهوله ، و أن بعض القليل ربما يوصل الفكرة و يعبر عن المحتوى .
في هذا الصباح اخترت أن اجالس الشيخ عبدالعزيز التويجري في ” منازل الأحلام الجميلة ” ، عبر طبعة قديمة صادره في لندن عام ١٩٨٢ ميلاديه من “الدار العالمية للنشر / ادمنتون – كامبردج” و … اليكم سطوره لأبناءه :
( … في ظني أن لكل منكم تصوراته و آماله و طموحه ، لا يمكن لكن أن تكونوا في مستوى واحد ، لكل منكم ذهنه و عقله و تفكيره و مفهومه ، لكل منكم رؤاه و أحلامه ، و لكل منكم حاشيته الداخليه و الخارجيه ، فيكم تتفاعل ردود لأفعال و أقوال و مكاسب تصعد إليكم أو تنزلون إليها ، تسعون لها أو تسعى لكم ، تقابلكم في مفترق الطرق أو على قارعة الطريق .
……….
……………
مات أبي و عمري خمس سنوات لم أجد من يهتم بي أو يكتب لي أو يوجهني أو يخاف عليّ ، و لكن صراعات المجتمع الصغير و البدائي أخذتنا إلى مسارها فعلمتنا بألوانها المختلفة و صورها المتشكلة و مواقفها المتباينة أن لا منجاة لنا من السقوط في المهلكة إلا من خلال تنمية الوعي الذاتي و صون الكرامة من وقاحة النفس أو وقاحة المجتمع الذي يريد أو تريد فئة منه أن تخضعنا للأهواء و النزوات .
……
………
فأول ما تعلمته من مجتمعنا البدائي الصغير أن نبقى دائما مع جذورنا و قريبين من هذه الجذور لا نجنح بعيداً عنها في وجداننا بحيث لا يصيبنا الغرور أو التعالي عليها فنجرح فينا مكارم الأخلاق و جودة المعدن .
………
………..
في هذا المجتمع عشت و تداخلت حياتي معه و صار اليوم إلى ذكرى في نفسي ، ذكرى جميلة و حزينة ، جميلة لأنها قوة تدعمني من السقوط في هوة المدنية المعاصرة ، و حزينة لكونها صارت ذكرى و لم تعد باقية فينا و مجسده .
فملامحها التي أصابها النحول شمسها تدلف إلى المغيب .
…..
…….
و كما ترى فإن أعتى ما في الأرض اليوم هما قوة الغرب بمؤسساته المالية المرابية المتكبرة و قوة المعسكر الشيوعي بمذاهبه المادية المستبدة ، كلا المعسكرين لا نجد لنا عندهما قرابة أو رحماً أو حتى خفقة من خفقات الوجدان الروحية .
…..
…….
و الانسان ماذا قال عنه القرآن الكريم في اكثر من آيه ؟ أمره الحق أن يبصر نفسه ، و إبصار النفس ليس في تقديري أن يقف أمام مرآته ليرى صورته و لكن أن يتعمق في مكنونات ذاته التي لا ساحل لها و لا قاع .
ما اكثر ما لدينا من كرم الله علينا ! و لكننا ناكرون للجميل بخلاء ، و البخيل فاسد المزاج متثلم النفس فاقد الثقة في كل شئ .
………
………….
موائدنا ملأى و نركض في تسول مهين الى موائد الآخرين الجاهزة نأكل من فضلاتها دون احترام لأنفسنا .
…..
………
لا أستطيع أن أضعك و رفقاء دربك في جيبي أو في محفظتي لا ترون أحداً و لا يراكم أحد ، هذا أمر مستحيل ، لا بد لكم من تجربة ، و لا بد لكم من خطأ و صواب ، و لكن إذا شطح بكم الشباب أو الزهد في كثير مما عندكم فلا تبتعدوا كثيراً و لا تسرفوا في الخيال ، بإمكانكم أن تصوغوا لأنفسكم مكاناً و سطاً و لن يكون هذا المكان إلا في أرضيتكم الخاصة ، فأنتم في خارطة هذا العالم و تقسيمه الجغرافي تأخذون المكان الوسط و هذا دليل على دور أمتكم في الحياة .
…….
……..
فإذا حولتنا هذه الحضارة اليوم من واقع إلى آخر و أخذتنا من ضيق ذات اليد إلى سعتها ، و من الخيمة و الكوخ إلى القصر ، و من الجمل إلى السيارة و من التحاف السماء و افتراش الأرض إلى ترف البيوت فماذا علينا أن نفعل ؟ علينا أن نتذكر أن هذه النوبة الجنونية التي أصابت أعماق أرضنا فأخرجت لنا هذا الطوفان المادي ليس لنا النجاة منه إلا إذا صنعنا نحن بأنفسنا من ذواتنا ، من وعينا سفن نجاة ، ألواحها من صلابة أخلاقنا و سلوكنا . ذلك أو الطوفان .
حماك الله ياولدي و حمانا من الغرق …. و إلى رسالة اخرى ) .
كتاب جميل في محتواه يصلح لصباحٍ هادي سأضيفه لقائمتي، وبالمناسبه قهوتك تبدو لذيذه!
حكايا نون said this on ديسمبر 25, 2016 في 4:13 م |
هو فعلا كذلك و ايضا القهوة ☕️
يزيد said this on ديسمبر 25, 2016 في 6:05 م |