تأملات صورة
امضيت بعض الوقت مع فيلم لم اختاره ، بل أتى بشكل تلقائي بعد انتهاء فلم آخر ، و كان جهاز التحكم بعيد بعض الشئ ، و الكسل تمكن مني ، اضافة الى أن عنوان الفيلم أعادني لذكرى سماعي لأسمه أول مرة !
كان المكان مدينة القاهرة في مصر و الوقت فترة نهايات السبعينات – ربما كان بدايات ١٩٧٨ ميلادية – و بالتحديد مساء يوم بارد بعض الشئ ، كنت طفلا صغيرا يمضي مع والديه بعض الوقت في زيارة عائلية و يلعب مع ابناء طبيب و زوجته التي كانت طبيبة ايضا في شقة مشرعة نوافذها للهواء ، و للدقة هم كانوا لم يزالوا يدرسون الطب في سنواته الاخيرة .
وضع على زاوية في حجرة الطعام و فوق طاولة شبه مرتفعة تلفاز صغير ، بث اثناء عرض برامج الليلة ان السهرة ستكون مع عرض أول لفيلم “قطة على نار” ، عندها دار حديث بين الكبار ، يقولون لأبي أسهروا و شاهدوه معنا ، و يردد أبي بأنه سيمضي للمنزل مع والدتي افضل فربما كان لدى من دعوه ارتباطات اخرى ، ايضا لمست استغراب من ان يعرض الفيلم في التلفزيون لدى بعضهم ، و حديث آخر عن انه لن يكون مثل العمل الغربي ، و كل ما كان يدور في مخيلتي ان هناك قطة سوف يتم طهيها لذا حين قالوا بأنه لا يصلح للصغار لذا يجب ان نعود للبيت تصورته فيلم رعب !
حين عدنا و في غرفة المعيشة الموجودة قرب مدخل الشقة دار حوار بين ابي و امي حول ان نسهر معهم ام نمضي لغرفنا ، كان ابي لا يجد غضاضة في وجودنا بينما ترى امي ان الافضل ان نستعد للنوم في كل الاحوال فالوقت قد تأخر ، اذكر ايضا ان وقت العرض قد ازف و لم يبدأ الفيلم و بدا ابي يتشكك في فكرة عرضه تلفزيونيا ، و لا اذكر صدقا باقي التفاصيل التي حدثت في هذه الليلة و هل عرض أم لا ، لكن اتذكر ما حدث و اسم الفيلم جيداً .
حين بدأ الفيلم شاهدت زمن انطوى ، و تأملت ماضي شخصيات رحل بعضها ، و بقي البعض الآخر يسير في حياة قد يختار بعض ما بها لكن بالتأكيد ليس كل شئ ، شريهان طفلة صغيرة تود أن تكبر ، تسير مع مجاميع الاطفال في العمل لكنها تتميز عنهم بثوب بنفسجي ، و بجمل حوار قد تكون قصيرة لكن تميزها عنهم ، روح تحاول أن تكون امام الشاشة و خلفها ، تعيش في واقعها قضية اثبات نسب في عمر مبكر ، و تحارب بالفن و الموهبة تفاصيل عديدة قد تكون تحيطها و تزعجها و تسعى لان تتجاوزها ، الطفل شريف صلاح الدين الذي يمثل بتلقائية بدت في هذا الفيلم و مسلسل ” الأيام ” و ” القناع الزائف” و اعمال اخرى جعلت البعض يتنبأ له بمستقبل فني باهر و تواجد مميز ، بمرور الزمن لم يتحقق و لم يكون ، نور الشريف و زوجته بوسي ينتجان هذا العمل في سعي لاضافة فنية و اثبات وجود حقيقي في ساحة تشبه الحياة و يملؤها التنافس ، فريد شوقي يغير في ادواره ليواكب بذكاء مرحلة جديدة ، تفاصيل عديدة تدفقت من خلال العمل و المشاهد لأرى عمل على شاشة و آخر يعرض داخل اعماقي !
حين اتت هذه الصورة و للدقة هذا المشهد لم اتمالك الا ان اعتقله كصورة مؤثرة احتفظ بها ، شعرت لوهلة و كأن زوجته تبكيه و تبكي شبابه و ذكرياتهم بينما الموت خلف الكاميرا يرقب و يستعد لأخذه دون رحمة لتأثرها أو بكائها ، علما ان المشهد و اللقطة لا يوجد بها موت من الاساس سوى معنوى ربما ، حيث كان البطل يهرب من الحياة و التفكير بها بمعاقرة الخمر و محاولة السكر لأجل نسيان لا يأتي .
هي علاقات تنتهي و تبقى رغم الموت مستمرة ، و رغم غياب الطرف الآخر الذي يُخلف وراءه فراغ كبير يبدل من الاحساس بالحياة، هو الارتباط العميق دونما قيود ملموسة أو واضحة ، بالذكرى ، بالأشخاص ، بالأماكن ، بالحكايات و الأسماء ، هي ساعات قد نقضيها مع فيلم لكنه وقت قادر على أن يثيرنا ، يشرع ابوابنا ، لتتداخل في لحظة أوراق عديدة متجاوزة فكرة الموت و الحياة !
اضافة :
+ للمزيد عن الفيلم اضغط هنا .
+ لمشاهدة على يوتيوب اضغط هنا .
+ قطة على نار ظل حائرا بين السندريلا و نجلاء فتحي ففازت به بوسي .
+ الراحل عمر خورشيد – الاخ الاكبر للفنانة شريهان – هو من وضع الموسيقي التصويرية لهذا الفيلم .