في طور التكوين
في يوم كهذا كنت في طور التكوين،و في انتظار لحظة خروج من عتمة آمنة إلى حياة متسعة مليئة بالضوء الذي يشتت تركيزنا و يمنعنا أحيانا من إبصار الأشياء على حقيقتها و طبيعتها التي قد لا نعرفها إلا بعد حين !
في يوم كهذا كنت لا أحمل “خيبات” أو “تجارب” أو أسئلة حائرة حول “علاقات” انتهت و لم تنتهِ !
في يوم كهذا كنت لم ألتقِ بأيّ وجه بعد ، و لا عينٍ صافحت وجهي الذي تبدّل مع مرّ السنين ، و لم يحتفظ سوى بنظرة ما تسكن عينيي و لم أزل أحملها على مرّ السنين .
في يوم كهذا كانت والدتي تعيش ظروفا صعبة ، و كانت الحياة تسير كما قُدّر لها ، كنهر جارفٍ لا يرجع للوراء ، و يتدفق في المجرى الذي حُفر أمامه ، لا تهتم بقادم و لا تقف لتودّع راحلا ، تمضي كقطار لا يملك محطات يقف بها، و يتحرك على قضبان لا تراها العين ، لذا يصعُب معرفة اتجاهه أو إلى أين يأخذنا الطريق!
في يوم كهذا ودعت أمي و الدتها ، و استقبلتني بعدها بعدة ساعات ، في يوم كهذا أُرهقت روحها بين لحظة موت و لحظة ميلاد ، دون أن تعترض أو تجادل لكونها أدركت بعد عمر أن هذه هي الدنيا و طبيعة الحياة.
في يوم كهذا بعد عدة سنوات ، تركت “التجربة” على روحي وجسدي علاماتٍ ، و نمت بذور عديدة بداخلي ، بِتُّ أحملُ في أعماقي حديقة ، غابة ، و أحياناً صحراء ممتدة أقفُ بها وحدي حائراً دونما دليل ، و بأسئلة ليس لها إجابات.
في يوم قريب من هذا خذلني أحبة ، و أربكتني صداقات ، و انزعجت طويلا من “نفسي” و عشت حزن اللحظة ، و أدركت قيمة التوازن و حفظ المسافات .
في يوم يشبه هذا كنت أترقب الغد بإحساس آخر ، لا يعرف “التعوّد” و “الألفة” و الهدوء الذي لا تسكنه “دهشة” و “فرحة” و ترقّب للآتي من المفاجأت خلال يوم كُتبت لي به “شهادة ميلاده” .
في يوم تلا هذا فرح أبي بوصولي، و قد اختار لي أسماء عديدة ، و دوّنها على ورقة خلال شهور و كان يرددها ليختار أيها الأنسب لي .
في يوم بعيد عن هذا مضى أبي وافترقنا دون وداع ، كان يفصلنا محيط و ظروف و أشياء عديدة تلاشت بعد “موته”، و عرفت لحظتها مدى حبه لي و مدى حبي له !
في يوم آخر أدركت أن الحياة “رحمٌ ” آخر ، و أنّ كل يوم هو “ولادة” جديدة ، و أننا دائما في “طور التكوين” ، و لو عشنا عشرات السنين ، و أن التبدّل يحدث حتى و إن لم تصاحبه أحداث جليّة ، و تغيّر في الأماكن و المناصب ، فهناك تغيّر داخلي متدرج يشبه تكون “الجنين” ، و أن هناك مشاعر لا نفهمها قد ُنعبر بها ،فما رفضناه ذات يوم يعاودنا له الحنين، و ما اخترناه ذات حين و قاتلنا من أجله ربما ينتابنا صوبه تساؤل و غربة و ألفة لها جانب مشين!
في يوم يشبه هذا اليوم كانت الحياة تستعد بنبضها لإخراج فراشات عديدة من شرنقتها، و الأقدار تدفع آخرى لمصيدتها و نهايتها ، تكرر هذا مع كل ما هو موجود بالطبيعة منذ قرون و سنين ، و هي سُنّة في الخلق و سمة حقيقة في “الكون”تشهد عليها كل لحظة ولادة ، و كل قبر حُفر ليضم مغادرا جديدا.
في يوم متكرر كهذا اليوم .. كتب أحد سطوره .. و أثبت أحدهم عبوره … و مضى كائن آخر دونما اختياره لحالة صمت طويلة تشبه النوم!
كل سنة وانت طيب
حزني الكلام 😦
Rana said this on مارس 16, 2017 في 1:42 م |
وانت طيبة و بخير و موفقة دائما وابدا 🌸
يزيد said this on مارس 16, 2017 في 5:11 م |