مكان صديق
اليوم صباحا التقيت بوجه كنت اعرفه منذ الطفولة ، وجه كان يشاركني الطابور الصباحي و الجلوس في ذات الصف ، التقينا دونما موعد في مقهى قصدته لشرب القهوة .
تحدثنا عن اشياء عديدة دونما رسمية أو توتر أو افتعال، مضى الوقت سريعا و تشعبت المواضيع ، تحدثنا عن اصدقاء آخرين، عن الحياة ، التجربة ، و التغير الذي يأتي عبر السنين.
تطرقنا الى فكرة “الانطباع” الذي لا يمحى أو يتغير بسهولة، و كيف ان الايام تبدلنا ، لكن عيون “الروح” لا ترى الا ما اعتادت ان تراه ، و انها قد تأخذ بعض الوقت كي تُبدل أو تستوعب الصور الجديدة ، لذا قيل “لا كرامة لنبي في وطنه”، و يظل الابن مهما وصل و تقدم في عيون والديه مجرد ابن فحسب.
حكينا عن اصدقاء الصف و كيف انه دعاهم منذ شهور الى منزله بعد ان اشغلتهم الحياة لمدة عقدين من الزمن، و كيف اخذ الجمع بعض الوقت ليستوعب الصورة الجديدة التي بات عليها الآخر، و كيف ان بعض الدعابات كانت في البدء تُشبه المزح ذاته ايام الدراسة، و كيف اننا حين نستعيد البيئة المحيطة نستعيد تلقائيا -و بلا وعي -بعض تفاصليها السابقة، و كيف ان البعض كاد ان يعاني في هذا التجمع من محاولة صبه -دونما قصد او سوء نية- في قالب كان لا يحبه في تلك الفترات القديمة و اخذ وقتاً و جهداً لتجاوزه و الخروج منه.
تكلمنا عن قيمة “الابناء” في الحياة و كيف لهم ان يغيروا معنى و فكرة “العطاء”، فحتى لو كنت جزلاً و كريماً مع الناس يظل عطائك لهم مختلف، لكونك تعطي بعض ذاتك، و كيف ان وجودهم يمنح الوجود بعداً آخر، و يضيف لأسباب وجودك في الحياة اسباب عديدة و جديدة، و معهم كيف يصبح للسعادة افق اوسع و دائرة أكبر و أكثر اختلافاً.
تكلمنا ايضا عن “الموت” و كونه نهاية الجميع، المريض منا و المعافى، و تحدثنا عن ” المدن” و السفر و متعة السير بالأقدام، تشاركنا بعض الذكريات في وقت سريع، و في دقائق قلبنا بأنامل الحوار صفحات عمرها اعوام.
ربما هو وقت قصير لكنه ترك اثر طيب لكونه لم يأتي عبر تنسيق مسبق ، لحظات حقيقية و بسيطه و عفوية، لقاء غير متوقع تبعه فراق متوقع على امل لقاء قد يأتي أو لا يأتي.
مضى و جلست اتأمل مقعده الأزرق – الذي ربما هو قد لا يذكر لونه – و شعرت بأن في قلبي مقعد آخر يشبهه بل مقاعد كثيرة لا ثقل لها و كأنها نسجت من سحب متحركة تمضي، مقاعد عديدة خاوية، فوقها جلس صديق أو محب أو قريب، و ربما غريب عابر لكن كان له اثر عميق ، أعمق من ان يتخيله أو حتى يفكر بذلك!
لكل تلك المقاعد الخاوية في أعماقي، و التي تشبه مقاعد الدراسة أو مقاعد عازفي فرق الموسيقي ، اهدي تحية صباح مختلف سكنه الدفء و الحنين ، نهار منحني سطور كتبتها هنا بشكل عفوي ، و وعي كامل بأنها قد تبقى بعد أن يخلو مقعدي لتعيش بعدي سنين.
هل يوجد برنامج تكتب به غير هذا البرنامج؟
فيّ💕. said this on ماي 22, 2017 في 4:43 ص |
قصدك مكان اخر انشر به غير هذه الصفحات ؟
يزيد said this on ماي 22, 2017 في 12:26 م |
جميل ..
مع اقتراب عودتي لمدينتي للعمل بعد مفارقة لسنوات طويلة ، وكثير المشاعر التي تسيطر عليَّ رغبةً بلقاء من فارقتهم .. وجدت في نصك شيء من الأمل بأن الفراق حتى لو كان طويلاً إلا أن أرواحنا وانطباعاتنا لمن عشنا معهم سنين الطفولة أو الدراسة أو الاثنتين معاً ستبقى كالسابق وزدتني حافزاً لموعدي المرتقب مع الأصدقاء ..
ممتن جداً لمشاركتنا لحظاتك وذكرياتك .. حفظك الله يا يزيد
أحمد said this on ماي 23, 2017 في 10:20 م |
شكرا احمد و اسعدني ان تشعر بذلك
يزيد said this on ماي 24, 2017 في 12:38 م |