دائرة بليتشلي

12mar2018ddddd

في اقل من اربعة و عشرين ساعة

” دائرة بليتشلي ” هو عنوان لمسلسل بريطاني، متزن الاخراج، جميل الصور، شاهدت موسمه الأول و الثاني في مدة لا تتجاوز اليوم (!).
ما جذبني له هو نعومته و اختلافه، فقد تناول أمر مكرر -مسلسلات الجريمة- بشكل جديد، و أعادني لمتعة المشاهدة دونما اقحام لأي مشاهد قد تزعج المتلقي او تشتت انتباهه عن الفكرة الاساسية و هي العمل ذاته.
لن تجد هنا جنس مسترسل رغم امكانية اقحام هذا في النص، و لن تشاهد دماء متطايرة أو تسمع اصوات اسلحة عديدة، عمل يوجد به العديد من الجرائم التي سوف تعرف من هو مرتبكها سلفاً، سترى صراع الشخصيات مع بعضها البعض و تفاعلها عبر الأحداث ، سترى ارواح تبحث عن الحقيقة و كيف تتكشف لها الأمور بالتدريج، دون ان تجلس طوال عمل كامل و أنت تشير بأصابع الاتهام نحو هذه الشخصية او تلك، فالعمل وجد للمتعة و لا يعد لغز نحاول حله بقدر ما هو قصة و حياة نرقبها من خلف زجاج التلفزيون بهدوء و انفصال عن ما كدرك خلال يومك، تتابع هذا دون ادنى صخب قد يباغتك، فالممثلين هنا لا يصرخون لأجل التنفيس و لا يطلقون الرصاص لأجل احداث الضجيج، فلا شئ مما اعتدت مشاهدته في الاعمال الأمريكة موجود، فلن ترى اشارة الى اليهودي الضحية او الطيب، و لن تجد شخصية المثلي اللطيف، و لن تجد من يزرع لك في النص اشياء تخدم اجندته لا العمل الذي تراه .

12mar2018ffdrew

“لكل امرئ من دهره ما تعودا”

تذكرت هذا القول السابق للمتنبي و انا اشاهد العمل، فالشخصيات هنا رغم انسلاخها عن ماضيها، و انتهاء تلك الفترة التي مضت بكل ما فيها، تظل بعض عاداتها مهيمنة و تكمن في النفس، تنتظر ما يوقظها او يحيها، فهنا مدينة لندن بعد الحرب العالمية بتسع سنوات، الاخبار عبر الصحف و اجهزة الراديو تحكي عن مقتل مجموعة من النساء في انحاء بريطانيا و عبر جرائم وحشية خالية من الانسانية .
في احد البيوت النائمة على الطريق تعيش سوزان و هي ربة منزل و أم و زوجة ، تشعر بأن هناك شئ ما يربط هذه الجرائم ببعضها البعض، تحكي لزوجها و للجهات المعنية نظريتها دونما أدلة، فيستمعون لها و تمضي و هي على يقين بأن لا أحد سوف يفهمها سوى رفقتها الذي تفرقت عنهم منذ عدة سنين .
تعود للبحث عن ميلي و لوسي و جان رفقتها في فك الشيفرات، و فرز الانماط، و تحليل المجريات و الرموز التي استخدمها الجيش الألماني خلال فترة الحرب، كن رفقة عمل مع اخريات جمعهن “جهاز المخابرات الخاصة” حيث لعبن دورا حيويا لم و لن يعرفه أحد ، فالسرية كانت هي الستار الذي توارين خلفه حتى عن اقرب الناس لهن.
كانت سوزان تسابق الوقت و تعلم وفق المعطيات التي لديها و حللتها ان هناك جريمة قادمة، فلم تجد سوى صحبة ذلك العمر الذين سيعون ما تحكيه و يعبئون وفق مهارات كلن منهن الثغرات الناقصة ليضعوا النقاط على الحروف و يظهروا الحقيقة، هذه التوليفة اللطيفة من النساء اللواتي يتعاملن مع المعلومه و يفكرن بها من منطلق مختلف لا يتشابه مع اجهزة الشرطة او جهات التحقيق جذبني ، و ذكرني بشكل او بآخر بقصص “المغامرون الخمسة” التي كنت اقرأها في طفولتي و كيف ان بامكان من يكون خارج الدائرة ان يفكر بطريقة افضل ممن هم بداخلها و يضئ لهم الطريق .

12mar2018ruru

ثلاث حكايات و ثلاث مخرجين

” فك شيفرات القاتل”

هو اسم حلقات الموسم الأول الذي ظهر للناس عام ٢٠١٢ ميلادية و تكون من ثلاث حلقات فقط ، كل جزء منها يحمل ذات العنوان ، و يعرض في مدة لا تتجاوز ٤٥ دقيقة ، اخرجه “اندي دي اموني” و تم تصويره في بريطانيا و حديقة بليتشلي التي تعرف لدى البعض باسم ” المحطة اكس” ، و قد كانت تعد المقر الرئيسي لعمليات فك الشيفرة خلال الحرب العالمية الثانية ، بها تم فك و تحليل العديد من الشيفرات السرية لدول المحور و يقال ان الخدمات التي قدمتها في مساعدة الحلفاء ادت الى تقصير مدة الحرب ، هذا الحديقة موجودة في مدينة بلتشلي بمنطقة ميلتون كاينس الى يومنا هذا .

” دماء على ايديهم”
اسم اول حلقتين من الموسم الثاني الذي عرض عام ٢٠١٤ ميلاديه ، اخرج هذه الحلقات التي احببت الصورة بها كثيرا ” جيمي باين” ، بها نتعرف الى زميلة خامسة في الدائرة طالعتهم الصحف بأنه تم القبض عليها بتهمة قتل هن يدركن بأنها بريئة منها، تدور الاحداث مسترسله كشريط من حرير و بنعومة تتجاوز العنف الكامن في بعض التفاصيل ، لنرى نسيج دانتيلا شفافة عبره نرى ما وراء الاحداث لكن دون ان نرى كل شئ بوضوح ، و لا شئ يتضح و بشكل مكتمل الا عند انتهاء اللحظات الاخيرة ، احببت هذه الحلقات من حيث الصورة و تلاعب الضوء مع الظل في المشاهد و توليفة القصة.

“بضائع غير مجمركة”
اسم آخر حلقتين من الموسوم الثاني ، اخرجتها ” ساره هاردينغ ” ، بها كان للون الرمادي و الازرق حضور طاغي الجمال في الصورة، يوحي بالبرودة و الوحشة في بعض اللقطات، في هذه الحلقات نرى التحولات التي حدثت في حياة الصديقات، فهناك من سافر و ابتعد و هناك من نجا من موت محقق و هناك من بحثت عن عمل آخر لكونها فصلت من عملها السابق، و في عملها الجديد تتعرض لحادث ما، من خلاله تنسج احداث الحلقة و ترتفع بالمشاهد ليرى خفايا عالم ربما لم يتنسى له معايشته في الواقع لكنه يراه و يرى ابشع تفاصيله دونما ابتذال في العرض او تطرق لتفاصيل تخرج العمل عن سياقه الذي كان متشابه في خطوطه العريضة رغم وجود ثلاثة مخرجين .

12mar2018ffd

حالة

نهاية لن انسى هذا العمل -لا لكونه افضل عمل شاهدته او اي شئ من هذا القبيل- بل لأن الفكرة ببساطة تأتي من ظروف مشاهدتي له ، فقد كانت تلقائية ، حدثت دونما تخطيط ، تماما مثل شعور يأتيني حين اصل لبلد ما و اعاني من نوم غير منتظم ، فاستيقظ آخر الليل مثل من لديه ارق و يحيطه السكون ، تجلس على الاريكة و تفتح تلفاز هذه المدينة و تتابع ما تراه معروض امامك ، قد يكون ليس اختيارك الأول ، لا تتوفر به عناصر الجذب التي تؤثر بك ، و مع هذا تشاهده و تدريجيا تجد ذاتك مسترخي ، تستمتع و تستمع بصوت لم تجعله عاليا ، ترقب الاحداث على نور هادئ بسلام تام و انسجام ، و بعد الانتهاء قد تسقط اعمال كثيرة من ذاكرتك و تبقى هذه اللحظة و هذا العمل في البال !

+ اضافة :
شاهدت المسلسل على ” نتفلكس ” و هنا اضيف ما تسني لي الحصول عليه من شبكة الانترنت من مشاهد اخترتها و نسقتها مع موسيقى العمل لتظهر لكم جزء من الصورة التي احببت و استمتعت بها اثناء المشاهدة .

 

~ بواسطة يزيد في مارس 12, 2018.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: