حكاية عطر

تعود بداية القصة الى عام ٢٠٠٦ ميلادية، و المكان “مستشفى الملك فيصل التخصصي” في الرياض، في تلك الفترة كان يرقد قريب لي هو ظهر لأسرته و سند و نقطة التقاء دائمة تجمعنا في صحته و مرضه.
اخترت في هذا الوقت أن تكون زياراتي له متأخرة ليلاً، مع المجموعة التي تسهر من ابنائه و بناته و تنام لديه يوميا طوال فترة تعبه و ذلك رغبة مني في الهدوء و عدم الالتقاء مع بشر قد اتكلف بالحديث معهم و انزعج.
كنت ابقى الى بدايات الفجر أو أول الصباح و أمضى الى المنزل للنوم، انهيت رواية كاملة كنت احملها معي و قرأت مقالات عديدة و ديوان شعر، و استمعت لقصص عديدة من الطاقم الطبي الذي يعمل و خاصة التمريض و حكايات الغربة و الحياة و تشعباتها، و كان بالي يطول لقصص هؤلاء و اتحملها اكثر من اشخاص اخرين قد يكونون بمنتهى الطيبة لكن اشعر بأنهم يتجاوزن الحدث و المكان بزيهم و مواضيعهم و كافة تفاصيلهم التي يأتون بها بدء من الشكل و الاندهاش و الحقائب التي يحملونها و طريقة أكل الشوكلاته و الابتسامات التي لا أعرف قرأتها أو افهم معانيها.
احياناً في نهاية الزيارة و مع بدايات اليوم الجديد اصطحب معي روح أحبها لأوصلها الى بيتها، و بداخلي اعجاب عميق بها منذ الصغر لتفانيها، و وعيها بدورها في الحياة سواء اتجاه نفسها أو من حولها، كنا مع بدايه ظهور الضوء تسير بنا العربة و النوافذ مفتوحة للهواء البارد و اوراق الاشجار تهتز مع نغمات اغنية احببتها و كنت اشغلها بشكل متكرر من البوم فضل شاكر الجديد حينها و اسمها “غايب عني ليه”.
ذات زيارة اتت ابنتها معها و هي على نهاية اعتاب التاسعة عشر من العمر و بداية الدخول الى مرحلة العشرينات، شممت عليها رائحة عطر احببته فهو ليس قوياً و مألوفا و غير متكرر بالوقت ذاته، ابديت اعجابي به و اخبرتني انه عطر رجالي و مع التجربة وجدت انه ناسبها كون اثر رائحته يبقى معها لأطول وقت ممكن و دونما ازعاج لكونه ليس قوي، ادركت انه قد لا يكون كذلك مع الآخرين و من هنا تأتي كمياء العطر، و لا أتذكر هل قبل ان تودعنا و تمضي اخرجت الزجاجة من حقيبتها و اعطتها لي أم اهدتني واحدة جديدة !؟، لكن الأكيد انني وجدت الزجاجة هذا العام و انا ارتب ذكرياتي و سنوات عمري المتجمعة في صناديق، و تذكرت هذه التفاصيل التي كانت منذ ثلاثة عشر عاماً.
عدت لاستخدام العطر من جديد، و التقيت بها من جديد، بعد ان باتت ام و لها ثلاثة اطفال و زوج رائع ، استنشقت العطر و سألتها هل تذكرين!؟، و حكيت لها بعبارات قصيرة ماكان، لكن اتصور انها كانت جُمل كفيلة ان تفتح بوابة الذكريات لكلينا، فتذكرنا بصمت و ابتسامة يملؤها الحنين ارواح غادرتنا لعالم آخر، و زمن عاشه كل منا بتفاصيله و بات اليوم كالأحلام التي مضت.
اليوم و دونما تخطيط و بعد اشهر من هذا اللقاء، وصلتني منها زجاجة جديدة من العطر الذي قارب ان ينتهي و فكرت بالمضي للبحث عن المزيد منه ، لكن سرقني الوقت، و ربما اخذتني المشاغل أو غلبني التكاسل احيانا اخرى، سعدت و حمدت الله و كنت ممتن جداً للحد الذي دفعني لكتابة هذه السطور لتبقى شاهد على مشاعر انسانية لم تمت بين الناس و نافذة لتأمل ذكريات عديدة و زمن جميل مضى بكل من و ما فيه .

~ بواسطة يزيد في ماي 2, 2019.

2 تعليقان to “حكاية عطر”

  1. هذا العطر مميز جداً سبق وان اقتنيته في ٢٠٠١ ، تحمست ان اعيد التجربة واسترجع الذكريات

    • للعطر ذاكرة خاصة به
      و ازمنة تتخزن في رائحته و لحظات قد لا تتكرر حتى وان اشترينا العطر مرة اخرى
      لكن المدهش ان فكرة استخدامه مرة اخرى و تنفيذ ذلك به امر مريح نفسيا
      شريطة ان لا تحمل الذاكرة اي تفاصيل مزعجة مرتبطة بهذا العطر او ذاك !

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

 
%d مدونون معجبون بهذه: