ما بين الفساد و الإفساد و الابتعاد
في طفولتي كان الفساد أو محاولة كسر القانون مغامرة ليست مضمونة العواقب، كان المناخ العام احيانا يدفعك لقمع ذاتك و التماهي و الالتزام بقوانين المجتمع و الدين و ضوابط البيت و المدينة و كل شخص يسير على السطح و يمنحك احساس بأنه ربان السفينة.
رغم تعددهم لم أنزعج لشعوري بأن العبارات واحدة لكنها تأتي من أفواه كثيرة، هي المطالب ذاتها و “القواعد الثابتة” التي توجد في مناهج الدراسة و شاشة التلفاز قبل عصور القنوات الفضائية و عهد الإنترنت.
ربما كان “الانفلات” حلم يقظة عند البعض في تلك الفترة، و أي محاولة تواصل هي محاولات عديدة و مراحل متدرجة و تفكير و حرص و سرية لأجل عدم ثقب عباءة الأصول أو احداث أي ضجيج لانجاح تلك الخطط التي كنا نرى من يقوم بها مغامر أو طائش!
و كان لكل حلم أو انفلات “نسقه” و طابعه الخاص، و هذا امر كان يختلف عليه في ما بين الناس، فما هو “عادي” عند أسرة فلان، يعد تجاوز عند الأسرة الأخرى، و في الغالب هذا “العادي” كان يمارس في نطاق أو حدود ذلك البيت أو هذه الأسرة و من يتفق معها، لكن كان يوجد “نسق عام” خارج حدود هذا البيت و قالب محدد للأشياء يقفز بداخله كل الناس حتى “بدون اقتناع” احيانا مخافة وصمهم بما ليس فيهم أو ربما لعدم رغبة بعضهم في الشعور بأنهم خارج السياق، أو لا يرغبون بأن يكونوا الفأر الذي يعلق الجرس في عنق قط المجتمع و مخالبه.
إذن كان هناك “فساد” و منذ بدء الخليقة، فالأشياء لم تكن “نقية” مثل مفارش بيضاء غسلت بمسحوق تنظيف مبيض، كان هناك “فساد” يرافقه “حياء”، خوف، عدم مجاهرة، و احيانا في الأول أو في الأخير “تأنيب ضمير”، و ربما “توبة” لبعض الوقت، و معاودة للتكرار بعد وقت، و ربما التزام تام بذلك الابتعاد.
كانت “الصراعات” الداخلية بين الفرد و ذاته أو المجتمع موجوده، و كان الهدوء العام يساعده على التأمل، و فهم ما حدث و قرأته من جديد، و وضع الأمور وفق حجمها و مساحتها المحدودة.
لكن ما هو الشئ الذي يجعله يعود؟ و يكرر الخطأ ذاته إلى أن يموت!؟
هو “الإفساد” الشبيه بلون رمادي له درجات و مساحات، فهو عملية قد تبدأ بحوار ذاتي، أو بإيعاز من صديق أو مجرب، أو عبر قصة تروى و تثير شهية التجربة، ستكون أعماقك تربة، قد يلقى فيها ببذرة ما، و قد تكتشفها وحدك، و بعدها إما ترفضها أو تبدأ عملية “التبسيط” و “التفكير” ثم التثبيت و الري إلى أن يظهر لها “برعم” و تمتد لهذا الذنب أو ذاك جذور بداخلك و لنزعها قد تنزع بعض روحك!
إذن “الإفساد” هو عملية ذاتيه و تأثيريه في ذات الوقت، فغياب الشمس قد يحني عنق الوردة، و شدة توهجها يجفف من رقة بتلاتها و يعجل بموتها رغم نموها، و أيضا عملية “الابتعاد” لها متاعبها و لها درجات، فالأشياء تتأصل بداخلنا، تبهت بألوانها علينا و تصبح “طبع” لنا أو “عادة”، نحزن لفعلها رغم شعورنا بمتعة و سعادة!
في “مرحلة ما” قد نرى فسادنا بعيد و شبه مستحيل، لكن المحزن حقا اننا قد نرى في “مرحلة أخرى” أن الابتعاد صعب، و ان الفساد مناخ عام، و ان النقاء مضى مع ملامح طفولتنا إلى مكان لا نعرف كيفية الوصول إليه و مع هذا نحاول .. و جميل أن نفعل!
حسب وجهة نظري
هناك فساد شخصي لا يتجاوز ضرره إلى الآخرين فهذا يقع أمره بينه وبين الله.
وهناك فساد يتجاوز ضرره إلى الآخرين فهذا يعتبر مفسد ويجب معاقبته.
والإفساد هو ان يروج للفساد في المجتمع ، محاولاً جعله عادة مجتمعية ، وهذا فكر يجب محاربته
الإبتعاد ما فهمته بصراحة
وشكرا لك 🌷
outya said this on نوفمبر 18, 2019 في 1:44 ص |
وجهة نظر تقدر و تحترم و بها الكثير من المنطق و الصحة …
ما عنيته بالابتعاد هو محاولات الاقلاع أو السعي للخروج و تنقية الجسد و الروح من فساد كثير قد يعتاده الانسان و يسير به مجرى الدم و يصبح طبع به.
و الشكر لك للتعليق و الاضافة، دمت بخير دائما.
يزيد said this on نوفمبر 18, 2019 في 4:01 ص |
وصفك للإفساد الرمادي المتدرج حد الاعتياد أصابني في مقتل لدقة وصفه.
اللهم سدد أقوالنا وأفعالنا واجبرنا وأجرنا.
شكراً لك على هذه الوقفة العميقة جزيل الشكر.
بُشـــرَى، (@bushraray) said this on نوفمبر 19, 2019 في 3:26 ص |
آمين و العفو
يزيد said this on نوفمبر 19, 2019 في 5:36 م |