رسالةّ للغائب
أيها الغائب عنّا منذ وقت ….
بتُ أرى وجوهاً و أسماء، و أشياء تباعد بيننا، ليصبحَ كلّ منا منشغلاً بذاته و حياته و دون أن يشغله شئ حقاً !
رغم الانقطاع الدائم لم تُعاتب، و تستقبل كلّ حضور لنا بابتسامة، و سؤال يحاول أن يخرج من شفاهك التي خذلتك في آخر سنواتك ايضا، و لم تعد تساعدك على التعبير منذ “الجلطة” التى مرت بك مثل أشياء آخرى كثيرة.
عشتَ اليتم و عرفت الوحدة مبكراً، و لم تكن يتيماً حقاً، هي أشياء قد تأتي حتى و إن كنا نبحث عن فرص أفضل مثل مدرسة داخلية، تمضي بها بدايات مراهقتك مع غرباء باتوا مع الوقت جزءاً من مرحلة عشتها و بالتأكيد ترَكت بداخلك علامات، و مكنّت بداخلك صفات، فبت رغم تغيّر الظروف و تحسّنها و توفر من يساعد، تُفضل أن ترتب حقيبة سفرك بيدك، و تسير لجلب كأس الماء لذاتك بنفسك، لم تكن تتقن فن الطلب أو تتدلل، بقدر ما كنت تسعى دائما لوضع روتين ثابت ينظّم لك يومك.
كسرتَ مقولة فاقد الشي لا يعطيه، و كنت الأقربَ لبناتك، تُدرسهن على مائدة الطعام بعد العودة من المدرسة، و تتابع درجاتهن، و تحرصُ على شراء الكتب لهنّ، و تنمية هوايتهن، و قد كن جميعهن بنات، و حرصت أن تجعلهنّ “مفاتيح جنة” لك.
حضرت أول مسرحية “أجنبية” في طفولتي معك و معهنّ، و أكلت في نهاية اليوم أول ذرة “مسلوقة” في حياتي – كوني عرفت في بداية طفولتي المشوية فقط – و حين سألتني يومها تصورتها كذلك و من ثم أكلتها على مضض كونها لم تناسب ما تخيلته، و بمرور السنين أحببتها و بت كلما اراها أتذكرك، و أتذكر ذلك المساء، و ذلك اليوم.
كنتَ دوماً متواجد في المكان ، لكن فعليا لم تكن “حميم” للغاية مع الكلّ، و كأن حاجزاً غير مرئي يفصلك عن الآخرين، و يدفعك إلى قراءة الصحف و الضحك بصوت مجلجل على نصّ قرأته أو رسم “كاريكاتوري ” عابر، أو حتى على أي شجار في “الاتجاه المعاكس” على قناة الجزيرة.
كنت “إنساناً” بطريقتك، و كنتُ أشعرُ بدون دليل أن هناك شئ بداخلك غير سعيد، كنتَ تواقاً للارتباط القوي بشئ، فأصبحت اسرتك الصغيرة هي دائرتك و كل حياتك.
رحلتَ و أنا أدرك أن هناك الكثير عنك الذي لا أعرفه ….
فقد فاجأتني-ذات يوم- في فترة مرضك بقطعة إلكترونية “صغيرة” أعطيتها لي، و أخبرتني أنك أمضيت بعضَ الوقت- وهو عمرك- لتفسير كتاب الله و فق قراءتك للتفسير و ما فهمت، و حرصتَ أن أطلع عليه، و أقرأه و أخبرك عن رأي، و مثل كل شئ نبني عليه أمل، و نضعه على الرف في انتظار “يوم ما” و يقين دائم بأن الغد آت ، تركتهُ و تذكرّته اليوم بعد رحيلك!!
احيانا حين كنت آتي متأخراً قبيل الفجر و صوت الألحان يعلو في سيارتي مع سكرة الشباب و حماسة الطرب، أراك تقطع الاسفلت الرمادي مع شروق الشمس عائداً من المسجد الذي بتّ طوال سنواتك الأخيرة تصلي كافة فروضك فيه و تُفتقد و يسألون عنك لو غبت.
هل كُنتَ تعمل لحسن خاتمتك منذ أعوام دون أن تدري!؟
و هل كُنتَ تدرك بأن الأمراض المتعددة و مضاعفاتها سوف تتربص بك!؟
هل كُنتَ تعلمُ أنّ الموت لن يأتي سريعا بعد تعبك و ستبقى سنوات أطول مع الوحدة داخل جسدك الذي كنت تُطوعه للاعتماد على ذاتك !؟
هل استطعت بسهولة أن تتكيف مع فقدان بعض أدواتك و بعض ذاتك !؟
هل لأجل معرفتك بأن كل شئ زائل كنت تتسامح معنا حين نغيب، و أحيانا لا نزورك إلا من العيد للعيد!؟
أسئلة كثيرة بقيت لديّ … و بالتأكيد لن يكون لها إجابات ..
و أملّ و دعاءّ أن يعود لك كل ما فقدت بعد أن مضيت من هذه الحياة ..
و إلى أن نلتقي في مكان لا نهايات به .. تقبل محبتي و عميق تقديري و أشواقي !
الله يرحمه و يغفرله ، جميل 👌🏻
رنا said this on جويلية 13, 2020 في 6:19 م |
هل النص واقعي ام خيالي؟
هل الكاتب هو شخصية (يزيد) المسماه بإسم المدونه، ام شخصية انثى حسب اشارة النص ؟
وشكراً
سارة said this on جويلية 14, 2020 في 12:57 ص |
https://wp.me/pbJuaD-q
asd77532034 said this on جويلية 20, 2020 في 3:20 ص |
رحم الله الغائبين عنا.. الباقين فينا.
بُشـــرَى، (@bushraray) said this on أوت 3, 2020 في 2:16 ص |