إلى طفولتي
أفتقدك بشده .. و أكثر ما أفتقده بك نقائي !
اشتاق للبال الخالي ، للروح المقبله ، للأحساس المرهف بكل جديد و مراقبته بعيون لم تغادرها الدهشه .
بي حنين لشعور لا يسبح في موجة واحده و لا يتأثر بالأحداث و إن تكررت .
أفتقد نفس في طور التشكل ، لم تتبلور بها معاني الأشياء بعد بل كانت لم تزل تُرسم .
صفحة بيضاء تكتب عليها كافة الأسماء ، الحب ، الصداقه ، الخير ، الشر ، الذنب ، الصواب و اشياء عديده قد تكتسب معانيها من الكتب أو الناس لكن دون أن تعيشها حقا و تختبرها و تعرفها في تلك الفترة المبكرة.
ذات تسكنها براءة لا جهل عميق ، براءة تدفعها لأن تعيش اللحظة فحسب منصرفة عن أبعاد الشئ و عواقبه ، لم تتعرف على جهلها بعد فيدفعها بتوتر لتعلم اشياء قد لا تحتاجها رغبة في أن تكون ، فيضيع العمر بها و هي تحاول أن تصبح دون يحدث حقا !
ذات لا تتبع درب الآخرين ، لا تشرب من نبع تجاربهم و تكرر اخطائهم ، لا تدرك أن بالتجربه قد تتشوه الكثير من الاشياء الجميله التي سمعنا عنها و حلمنا بها و تلهفناعليها .
لا تنتكس و تكسر فيكبر الخوف بأعماقها ، و يزيد العزوف بداخلها فتقل تلقائيا شهية التجربه عموما و الأقبال على الأشياء ككل .
رغم هذا نحيا على أمل ما في كل فجر ، ندرك أن الشمس قادمه ، نردد ” لا بد من المحاولة حتى و إن لم تجدي ! ” .
نهرب من الخيبات التي عرفنا بمحاولة تجاوزها ، نجدف رغبة منا في الوصول الى البر الآخر ، بر كثيرا ما حلمنا أن يكون الدرب الأخير ، به تنتهي الاشياء و ننتهى بسكون .
إن حياة تعاش كأحتضار طويل قد تكون مرهقة و بها نعيش لنفقد كل ما نمتلكه بالتدريج ، فندرك بأن لا شئ نمتلكه حقا ، بدء من انفسنا و ما تحتويه من صحة و ذاكرة و قوة و غرائز و دوافع إلى ما تمسكه ايدينا في هذه اللحظة من ادوات او احبه نتعلق بهم و نحن نعلم أن الفراق ينتظرنا خلف الباب .
يظل ما بداخلنا يتحكم بنا ، أما الكسر و الضياع و الفقدان فهي أحد الأقدار التي قد تكتب لما نقبض عليه بقوة و نشعر به و نلمس وجوده و نخشى فقدانه .
مع تجاوزك ايتها الطفولة وعينا إلى أن الفناء هو الدرب الحقيقي الطويل ، لذا بتنا نحرص على الأثر الذي قد تتركه أقدامنا بعد الرحيل .
أحيانا في عز المسير قد نتوقف لنسرق من العمر لحظات نحاول بها أن نعود لمحطة مضت ، لنحيا لحظة كانت و نكررها و نعيشها من جديد.
هذا ما حدث لي اليوم ، بعد الفجر و الكل نيام عدا أنا و الطبيعة التي تحيطني و تملؤني بالحياة ، مع الشمس المتسللة بهدوء مضيت إلى مرجوحة رغبت في ركوبها منذ أن رأيتها .
كنت أسير للطريق المؤدي لها و أرقب السحب في السماء ، أراها تتحرك لتفسح مجالا للضوء ، توسع الأماكن للقرص الذهبي في لحظة شروقه ، الزرقة كانت تحيطني و تسكن المدى ، أراها في الماء و السماء بدرجات متفاوته و الألوان حولي بدت لي منسجمة حينا و متباينة أحيانا كمشاعري ، المتباينة اتجاه ذاتي و الاشياء و المواقف و المنسجمة بداخلي رغم تناقضها !
توقفت أمام الأرجوحة وسلاسلها المعدنيه و بي تعطش للهروب معها و من خلالها ، جلست بتأني ثم بدأت أحرك أرجلي لأعلو عاليا ، اصارع الريح و بي رغبة في أن ابتعد عن جسدي و بعض ما فيه أو أنثر بعض ما به أرضا كلما حلقت لأرتاح !
مضى الوقت بي قصير لكن كان له تأثير ، و عند النزول رأيت الأرجوحة لم تزل تتحرك بعد هبوطي ، مؤكدة بأني كنت هنا و جلست عليها ، بصمت كانت تخبرني بأن الأشياء حتى و أن مضت تخلف خلفها شيئا ما ، كصدى الصوت بعد النداء ، كالأثر الباقي بعد مضي الأشياء التي تظل تدوي بداخلنا كتردد الريح في المدى المفتوح ، و تبقى كالندبة بعد التئام الجروح .
رغم السنين و أعوامي الأربعين عدت لأرجوحة الطفولة ، فحين ضاق العمر بي و لم أجد ما أقوله مضيت للسماء ، مفضلا أن أركل بصمت الهواء ، فأعلو بعيدا عن كل ما بداخلي ، أتحرك كثيرا و أتمرجح طويلا و من ثم أعود للأرض من جديد و أعود للحياة المليئة بالعقد كأعماقنا و المضطربة الأحداث كحياتنا .
مدركا بأننا نحتاج بين كل وقت وحين للحظة غير متزنه ، لحظة قد نخلقها أو تأتي طواعيه من نفسها ، بها نعود لذاتنا التي نعرف ، حيث نتعامل معها بشكل أبسط و اقل تعقيدا .
في هذا الصباح زارتني تلك اللحظة بلا تخطيط ، و رغبة مني في الاحتفاظ بها و توثيقها أضفت هذا الموضوع .









جميل . لقد استمتعت بالفيديو ايضا، ليتنا كلنا نرجع لطفولتنا.
مشاعل محمد said this on مارس 21, 2015 في 10:49 ص |
شكرا مشاعل .
يزيد said this on مارس 21, 2015 في 2:15 م |
جميل enjoy miss my bahrain
RAna said this on مارس 23, 2015 في 10:01 ص |
بأذن الله 🙂
يزيد said this on مارس 23, 2015 في 10:09 ص |
خذني إلى عالمك…
كشكول said this on مارس 23, 2015 في 5:45 م |
بعبورك هنا اصبحت به ..
يزيد said this on مارس 23, 2015 في 5:51 م |