في كل كوب نضع ( اجافا او ميل سيرب او عسل) ما يغطي قاع الكوب و يزيد قليلا. نضيف له ربع ملعقة شاي زنجبيل بودره . بنش جوزة الطيب دروب شطة كيان بودره ٢ ملعقة شاي شوكلت باودر بدون سكر . و نخلط المقادير معا حتى تتجانس.
على النار نضع مقدار كوب من الحليب مضاف له نصف ملعقة هيل مطحون و ندعه يغلي بهدوء على درجة ليست عالية حتى نكمل باقي الخطوات.
نذهب لماكينة القهوة و نصب في كل كوب شوت ( اسبرسو) و نعود قرب النار لنرفع درجة الحرارة و نمزج الخليط في كل كوب جيدا .
عند غليان الحليب ناتي بمصفاة و نصب في كل كوب ما يملأ المنتصف و نحرك حتى نحصل على حصص متساويه في الكوبين ( يعبئ من نصف كوب الى اكثر بقليل).
المذاق قوي و لا يخلو من طعم مختلف تتمازج به المقادير جيدا دون ان تعرف او تحدد اين تبدأ كل نكهة و اين تنتهي.
تفكر .. ” الى اين نمضى !!؟” لم تعد هذه هي المدن التي عرفت ذات طفولة، لم يعد السفر رحلة لعالم متقدم و فرص قد تتعلم منها الكثير. لم تعد تشعر بانتماء، و هذا الكوكب يحيطها بغربة لا تنتهي بدء بما يحيطها حتى وجهها في المرآة. هي “بقايا” تدل على أن المكان هو المكان، معالم و مباني و اسماء شوارع و طرق تاهت بها الخطى و ازدحمت بها الذكريات. لم يعد “التأنق” لعبتها التي احبت ذات يوم، و واجهات المحلات تصيبها بالنفور، فهي لا تحمل من خطوط المصممين الذين كانت تحب و تعرف سوى اسمائهم على الواجهات التي افرطت في التأنق و تشابهت في المحتوى رغم اختلاف الاسماء !! ترى الاحذية و التيشيرتات و كل ما كان يباع في اسواق الطبقات المتوسطة و اقل، يغرق هذه المحلات مع اضافة اسم “الماركات”، و ترى ابناء الطبقة المتوسطة و من اقل تزدحم بهم هذه الدكاكين، يبحثون لهم عن موقع في “عالم الموضة” و ليس الاناقة، يريدون ان يجدوا لهم موقع في سلم اجتماعي هش بات يحكم على الناس بالقشور. في الماضي كانت تبني “مجموعتها” قطعة من هنا و اخرى من هناك، و كان عمر الموضة اطول، اضافة الى قطع كلاسيكية جيدة الخامات لا تخرج عن سياق الاناقة و لا تبطل، كانت تنفق دون ان ترتبك حياتها المالية و تصرف من فائض، و اليوم تشعر بالحزن و هي ترى الآخر يضع كل رأس ماله في قطع قد تفني في اقل من ثلاثة اشهر بل و قد يستدين، ترى ازدحام به تفضل ان تقبع بالزاوية ترقب هذه “الفوضى” على كافة النطاقات. تتسائل .. و ان اشتريت من الجديد .. اين تلك الحفلات، و الاصدقاء، و الناس، و الى اين سوف اذهب .. فالبيوت المفتوحة مع الامراض و الحروب و الميكروبات في الصحة و الاقتصاد.. اقفلت ابوابها و اكتفت باتصال هاتفي للتواصل او رسالة بلا صوت معبر او شعور. اخواتها اللواتي كانت تزدحم اجسامهم امام المرآة معها في تلك الليالي الحافلة تلاشوا .. و شاخ بعضهم او توفى. انه ليس عالم ” ابيهم” هو عالم جديد تداخلت به القارات و المحيطات بشكل قلل من الجماليات في الاشياء و اخفى التباين المحمود و المريح و الذي بوجوده تزداد الاشياء الجميلة جمالا. لم تعد تلمح “صبايا” هنا و كأن مرحلة “الصبا” سرقت، و عمليات التجميل التي ترى هي “تغيير” و عدم رضا اكثر من كونه تعديل لشئ قائم، انتفاخات منفرة ، و عدم تناسق فاحش الانتشار، حتى ترى في احيان كثيرة “هوة” كبيرة بين الشخص و كلامه و لبسه و افكاره التي يتبنى و طباعه التي تعرف مع الوقت . تشعر بانزعاج داخلي و خارجي ، يدفعها اخر اليوم مبكرا الى منزلها الذي يشبهها و تراه “ثابت” في زمن متغير، رغم التشققات، و الطلاء الذي يحتاج اعادة، و بعض “الخرابات” التي تأتي مع الوقت. هو الوقت حين عبر و مضى اتى بوجوه لا تعرفها، ارواح خالية من مبادئ انسانية تؤمن بها من كثرة ما نادى بها العالم في جميع مؤسساته و منظماته و هيئاته، اعجابها بكل تلك الهياكل تلاشى حين اتى الوقت الذي ادركت به ان ما كان ذرات طحين تناثرت و من الصعب جمعها اليوم، خاصة و أن من يعملون و يستفيدون لا يرغبون بالتعديل، و يدركون ان فرصهم في ظروف كهذه افضل ماديا و ليس معنوياً و تتناسب جدا مع اجندتهم. تزدحم بداخلها الاحاديث لكن لا “زيزي” و لا “كوليت” و لا احد هنا من صديقاتها اللواتي مع الوقت خسرتهن بقدوم “صديقات” جدد لم تكن تنقصهم الحيلة و المكر في فك روابط اخذت من العمر اجمل سنواته. الايام الخوالي و حديث “الاسرة” المسترسل تبدل و بات الى “النقطة” مباشرة .. ” سوف تباع ارض مشتركة أو بيت، نحتاج لبت في موضوع، او سوف توزع ارباح .. الخ”، و كأن ذلك الحضن الذي تعرف بات مجلس ادراة، الكل يكبر من حولها و لكن لا يكبر معها، لا تعرف تفاصيلهم كالسابق، و ماذا يحبون، لا لقاء عفوي يأتي، او باب يفتح بغتة، لا امسية جميلة تأتي كالسابق دونما تخطيط، بات اغلب ما يربطهم انهم يحملون الاسم ذاته. ترقب شاشة هاتفها امام شاشة التلفاز، تنفث سجائرها و تغرق بعاداتها القديمة التي تمقت، و تتأمل المشهد دون ان تنتمي له!
حين كانت السماء صافية كنفوسنا، كان “العتب” جزء من مجمل حديث، بذرة “حب” تنمو سريعا في مراعاة خاطر الاخر و تقدير ملاحظته و فهم ما يزعجه حتى لو خالف طبيعتنا، و وضعه في الاعتبار مع كل تعامل معه، و دون ان يقتل هذا الامر في العلاقة التلقائية، و دون ان يكون “العتب” نهاية علاقة! ندرك ان لا احد “مثالي”، و نعي “ابعاد” ما يجمعنا من رابطة صداقة او حب او دم، لا نهتم لتحليل الاخرين للمواقف، و لا نكترث من السباق للاهتمام والسلام بعد اي مشاده او خلاف عابر، بقدر ما يحرص كل منا ان يكون ذلك الشخص طمعا في الاجر من الله و حرصا على مشاعر الاخر. لم يكن “التخلي” سهلا كما الآن، و كان للتاريخ الذي يجمع الناس ثقل و وزن في انفسهم، لم يكن التبجح و القسوة و نفور الملامح و سلاطة اللسان علامة على قوة الشخصية ، و لم يكن الخبث و التذاكي و التجاهل و فرض النوايا السيئة جزء من السمات و الصفات التي تحسب للشخص لا عليه بعد تبديل اسمائها. لم نكن نحرص ان نتحدث لساعات دون ان نقول شيئًا، و لم تكن “صلة الرحم” بالمزاج بل باحساس عميق بالمسئولية صوب انفسنا كوننا نتلمس البركة و نحرص على حفظ روابطنا بالاخرين من حولنا كاغصان قد تتفرق لكن دوما تجمعها شجرة واحده. في وقت كهذا كنت “احبك” و مازلت، كنت “اعرفك” و لم اعد افعل!! الكثير من “مفاهيم” هذا العصر اختلطت مع مفاهيمك، و بعض ما هو انت غادر، و بعض مما كنا نمقت صار جزء من تكوينك !! ترسم “ذاتك” بملامح جديده لا تشبهك، و احيانا اتسائل بصمت هل هذا هو انت من البداية ولم اكن اعلم !! تسرقك “نشوة” الشعور، و الانتصارات الهشة، و التشجيع الذي قد يقودك للهاوية، من بشر لهم “افق محدود”يتحدثون عن “الحرية” و “حقوق الانسان” و يقدمون الميثاق العالمي و هيئة الامم على “المنطق”، ينفرون من الثوابت و الدين، يبدعون في التزييف و التلوين، لا يستطيعون ان يبنوا حياتهم الا على رفاة الاخرين! معك تحدثت و لم ادفن رأسي كما النعامة، لكن ما الحكمة من تكرار الحديث لمن لا يبدي اهتمامه، بكل بساطة انت اليوم تسير “مغيبا” تحيطك الف غمامه، و كل ما اتمناه لك “يقظه” لتنجو بنفسك في درب باتت تنقصه “السلامه”.
لم يعد يختلف السفر أو العودة ! طالما ان الابواب ستظل مقفلة و الخمول بكافة اصعدته استولى على ارواح سكان الكوكب . خمول ذهني و عاطفي و انساني ، يظهر في بطئ ردود الافعال اتجاه اشياء كثيرة كانت تعني لنا و تشكل بيئتنا المحيطة و تمنح الارض التي نحيا بها الحياة. هي الغربة التي تسللت و عاشت و تمكنت كعدو محتل متبجح استولى بخبث و دهاء على قرية آمنة و عبث فيها. اشغل سكانها عن الزرع و العمل و البناء، ابقى ابنائهم في سجون منزلية بعيدا عن المناخات التعليمية بكل ما بها من تطوير للشخصية و التعبير و معرفة الايثار و روح الجماعة و كيف ان الفرد يجب ان يتنازل احيانا لاجل الاغلبية. هو القمع باقصي صوره حين يأتي مرتديا ثوب “حرص” جديد ! هو الحصاد المر بعد اكثر من عامين ، شهور لم تخلو من مواقف هزت علاقات، و ايام اربكت افراد ، و موت مباغت داهم الحياة. هو الحزن اليومي و الحنين لما فات، هو التجاهل و محاولات التخطي باقدام مبتورة و حدود ضيقة و ضحكات هستيريه تنقصها السعادة و الراحة و كافة المقومات. هي محاولة العيش في لحظات الغرق، هو غروب طال و سنوات من “غسق” . هو ان تاتي بجسدك لوطنك و لا تشعر بالوصول ، هو ان تتحدث طويلا و لا تعني ما تقول، هو ان تصبح قطعة من الاسفنج تمتص الاخبار و مخاوف الاخرين و توقعاتهم المخيفة ، ان تتحول الى ردار حديدي بارد يتلقي السلبيات المتطايره التي تتجمع على معدنه و تعكر سطحه ببرودة تدهشه و لكنها تؤثر فيه، هو ان تعبر في صالة البيت كشبح ، تتبادل التحية مع الاخرين، و يظل بداخل كل منكم شعور مبهم و حديث يخفيه. هي الجسور الممتده بين ارواحنا حين تتدمر بصمت ، علاقات كانت “متينة” بتنا نرقب انهيارها كمجتمع اصم ، ابكم ، يرى كافة التفاصيل لكنه لا يسمع و لا يود الحديث. هي المجرة تفتح كافة الطرق و عوضا عن ان نحلق او نختار ، نضيع و نتوه كمركبة فضائية تتحرك دونما بوصلة او اتجاه. في داخلها و خلف نوافذها المغلقة نستمع للاغاني و نصفق و نرقص دونما احساس بالرتم او بالايقاع و دون ان نفكر بالقادم او الى اين سنمضي و ما هو المصير !؟ نقرأ و نهرب للكتب و تذوي الشخصيات امامنا في الرواية و كاتبها يحاول ان يبنيها، مخيلتنا لم تعد حية و احساسنا تبلد او تأثر او تغير !! ؟ لا اجابات نملكها رغم طول المسافة و الاسئلة الكثيرة، نكرر اخطائنا بدء من كبائر شتى، حتى حمية صحية نكسرها و نحن نردد لانفسنا ” انها المرة الاخيرة” . متعبين دونما حركة حقيقية ، متعبين لان النباتات الصيفية لا تحيا دونما شمس و لا تنمو خلف الشرفات الزجاجية و الستائر الثقيلة و تخنقها رائحة المواد المطهرة اليومية. كل ما تراه من صاحب الدار عيون خلف كمامة و قفاز، و حتى حين ازالها بات وجهه مختلفا عن الوجه الذي عرفت ذات نهار ، بدا خاليا من اللهفة و الحماسة و الانبهار. التواصل اصبح لا مع بشر بل مع سطور تأتي عبر ” التطبيقات” التي يحملها هاتف كل منا و يقرأها و ربما يتجاوزها و يرسل صورة باسمة او قلب ملون لا ينبض و لا يشعر بشئ. جفاف بعيد المدى و الارض باسرها باتت جدباء، و العالم امام اعيننا يتغير و به ندرك باننا لم نعد “رقم مؤثر” بل مجرد “اشياء” يتم تحريكها و تحمل ارقام و اسماء. “قطيع” يتحرك كيفما كتب له، يرفض التطعيم ثم يرضخ له ، يمد ذراعه كغريق يبحث عن النجاة ، ذبذبات عقله مع الوقت يتعلم كيف يقلل من حدة صوتها بداخل اعماقه، و يجمع اشلائه، و يحاول ان يعيش وفق الانظمة العالمية الجديدة، كزهرة تدخل تجربة ، تنزع من غصنها ، و تزرع في اصيص منسي و تغطي بكيس بلاستيكي ، و تبقى تحته شبه مختنقه ترقب العالم المحتضر حولها وحيده. في لحظات كهذه ستدرك بان المخرج الوحيد هو الاستسلام المؤقت و تدعو الله، و تنتظر بغضب هادئ و صمت عاقل عجائب قدرته و حلوله، و تبقى حذره في كل ما تفعله و تقوله. زهرة لم تعد تسن اشواكها لاتكالها على من هو اعظم و اكبر من الكون بكل ما فيه، في كل مساء تبث له حزنها و تدعيه ” اللهم ارح الامة و ازل هذه الغمة” .
سالتني .. كيف كان يومي !؟ لوهلة جلست افكر بايامي السابقة ..مع النوم المتقطع باتت و كأنها غير منفصله …لا تسير بانتظام…فلم اعد ادري بداية اليوم من نهايته ! اصبح يومي تفاصيل متداخله .. و ربما كانت ممله .. لكن دعني احدثك عما افعله الآن !
الان اشرب قهوة الصباح في الساعة الثالثة و احدى عشر دقيقة عصرا. في مكان كنت احبه، و اذهب اليه مع اخوتي قبل زواجهم، و مع صديق طفولة افترقت عنه منذ اعوام،و مع روح صديقة عرفتها من ٢٠٠٣ وماتت منذ عدة أشهر.
و قبل اقل من ساعة كنت في المطار، اوصل رفيقة عمر لم اراها منذ اثنين و عشرون سنه، و كانت من اول الوجوه الموجوده في فترة طفولتي و ولادتي خارج وطني، و زارتنا هنا لمدة شهرين في هذا الشتاء.
اجلس و افكر بروح حملتني حين ولدت بين ذراعيها قبل امي، فقد ولدت في اليوم التالي لوفاة جدتي كان الحزن يحتل مساحة في قلب امي بتلك الفترة، في تلك المرحلة و بعدها ظلت هذه الروح تحيطنا، و تنقط لي حروف الابجدية العربية على السطر، لم اراها منذ سنين لكن بقينا على تواصل، و علمت منها منذ وقت ان زوجها في العنايه المركزة و هو رجل فوق الثمانين، صدره متعب و باغتتهما كرونا معا رغم الحذر و الحرص و الحيطة، و هي في مثل عمره بقيت في البيت وحدها، تتواصل معي برسائل صوتية عبر احد التطبيقات الحديثة،. رسائلها الصوتيه متقطعة ، فيها الخوف يسكن نبراتها مع محاولات استجماع التوازن والشجاعه في الوقت ذاته.
كنت ارد عليها بصوت يقول المطلوب و يحاول ان يساعد.
و اليوم كان ولله الحمد آخر موعد طبي لامي بعد رحلة علاج طويله، كان الموعد في السابعة صباحا ،كنت سأذهب معها لكن “حلفت ” و اصرت ان اجلس لأني لم انام، وكنت اغفي و استيقظ مخافة ان يذهبوا من دوني.
كنت مشتاق للمضي مع الفجر المتاخر و شمس الشتاء المتوارية في مشوار مع اخواتي الاثنين وامي لنركب السيارة معا في رحلة البحث عن اخبار سعيدة قبل عودتنا.
في وقت الارق كنت ارتب الاغراض و الهدايا و الشنط و اعيد اشياء كثيرة اخذتها معي في السفر و لم استعملها في الحقائب. لاحظت اني اكثر من مرتين قد اشتريت الوان “مائيه” و لم استعملها، فقط لاجل رغبة في رسم نمط تلويني شاهدته و اشتهي ان ارسم مثله وبي يقين باني لن اقترب فعليا من اي شئ فيه.
لقد ذكرت لك بأنها تفاصيل ممله.
و ما لم اكتبه بعد ان القهوة هنا بشعه و جديا من الصعب ان تكون اول شي اشربه!.
فكرت بطلب شئ آخر … لكن بعد تفكير قررن ان امضي …
لقد فضى المكان …
و المكان هنا متخصص بمشروب الشوكلاتة الساخنة و الحلويات…و لكن فضولي دفعني للتفكير بقهوتهم و تجربتها !
الاربعاء ٢ فبراير ٢٠٢٢ ميلادي. الساعة الثالثة و ربع عصرا .
سرت في ممرات السينما و داخل ذاكراتي ممرات اخرى تفتح ابوابها المتعدده في وقت واحد! اتشتت و استجمع كل التفاصيل في لحظة واحده ! كنت راغب بتشتيت شبح الشعور بالوحدة، و عبثا ظلال الافتقاد تنعكس على الطريق. ارواح سرقها الموت، و اخرى سرقتها الحياة. ذاتي التي تغيرت بمر الاعوام، احاول اليوم ان استرجع بعض ملامحها و اتواصل معها من جديد. في عام ٢٠٠٣ سكنت البناية المجاورة للسينما و لعدة شهور، و تعرفت على صديقة سرقها الموت هذا العام، و كانت خير رفيق لي في لحظات الحزن او السرور. دار العرض هذه فتحت ابوابها عام ٢٠٠١ و حضرت بها مع والدتي و اخوتي فيلم “شقراء قانونيا” الذي تم تصوير بعض مشاهده داخل جامعه هارفرد في المدينة التي امكث بها الآن(*). مضيت اليوم لمشاهدة فيلم عرفت عن وجوده بالصدفة و قرأت الكثير من النقد السلبي عنه، خلال النهار و على احد “تطبيقات” الهاتف تحدثت كتابيا عنه و بصمت مع روح صديقة شاهدته في وطني، عندها تشجعت لحضوره و كسر ايقاع الرتابة في ايامي، علما اني منذ سنوات لم احضر فيلما في دار عرض و كان هذا سببا اخر لاستعادة التجربة من جديد.
Q12
كان رقم تذكرتي “كيو ١٢” و احيانا هذا الحرف هو اختصار لكلمة سؤال، و لم اعد ادري حقا هل كان مجرد رقم على ورقة ام كان “مقعد” الاسئلة التي تزدحم في رأسي دونما اجابات و دونما رغبة في التفكير بها او القائها حتى بيني و بين ذاتي! بدات الاعلانات التجاريه و بدات الازعاجات، انتقلت لمقعد مجاور لمقعدي نظرا لجلوس شاب شديد الطول امامي، احتل راسه منتصف الشاشة مع صديقته و كانهما مشهد ثابت، كانوا سعداء بشكل مستفز منذ البداية، و خلال العرض كلما اتى لحن سبعينات قديم هزوا رؤسهم بتمايل و كأنهما عاشا تلك الحقبة الزمنية علما انهم لم يتجاوزا الخامسة و العشرين من العمر، كانوا يرتدون ثياب توحي بذلك الزمن ، و هو اضافة الى طول راسه و شعره الكثيف، كان يرتدي قلنسوة من الصوف الابيض السميك تضيف لطوله طول، و رغم انتقالي للمقعد المجاور همست سيده يباعد بيني و بينها ثلاثة مقاعد ان زوجها محجوز له الكرسي الذي بقربها و الكرسي الذي يليه حرصا للامان الصحي، ابتسمت و مضيت لمقعدي السابق، ثم زحفت مرة اخرى و فضلت الجلوس خلف صديقته التي اتخذت وضعية النزول الى اسفل بحيث تكون شبه جالسه على اخر ظهرها و راسها مستند على ظهر المقعد. لا ادري لم بدات استعيد في الظلمة و الصمت و دونما رغبة بعض الافكار التي تزعجني، و اتذكر مواقف و اتخيل اخرى لم تحدث، عندها و في تلك اللحظة اخرجت هاتفي وبدات في تدوين هذه السطور في برنامج النوتة الملحق بالهاتف. اتت بعد ذلك اعلانات لافلام عديدة، “ماتركس” الجديد مع كيانو ريفز الذي لم يسلم من يد العمر و انتزع منه رونق شبابه كفكرة الفيلم ، و فلم استعراضي يحاكي التجارب السابقة دون ان يصل لها، و آخر عن الازمنة القديمة و الفساتين المنتفخة لكن دونما ابهار حقيقي و بانتاج لا يبدو ثري فالملابس كانت اقرب لملابس الاطفال التي نشتريها من محل الالعاب و يحاكون بها اميرات ديزني او الشخصيات الشهيرة في الاساطير، لكن توقفت امام اعلان فلم عن بطلة مسلسل ” انا احب لوسي” و زوجها، و هو عمل كنت احبه و احب بطلته، تسائلت عيناي من هذه التي تقوم بدورها فملامحها ليست مرحة مثل ملامح وجهها، فقط الشعر البرتقالي و بعض الخطوط العريضة، كان وجه لا يخلو من صرامة، و تفاجئت حين علمت بأنها “نيكول كيدمان” التي تغيرت كثيرا و لم اعرفها، فيما يبدو ان محاولات التجميل سلبتها تعابير وجهها و جمالها لا الوقت.
عن الفيلم
تحكي القصة التحول المتدرج لشخصية شاب مسالم من عائلة ثرية، هو وحيد والديه ، امه رحلت مبكرا، و ابيه يعيش في الماضي، يتقاسم اعمال الاسرة مع اخيه الذي يدير اغلب الامور المتعلقة بالعمل و وفق توجهاته. الشاب تتغير حياته في ليلة التقى بها بفتاة سقف احلامها عالي، و ترى في الرجل الذي قد ترتبط به صفقة من خلالها قد تتحسن ظروفها و حياتها، يحدث انجذاب عميق بينهما، يدفعه لتحدي ابيه و كان هذا هو التحول الاول و تلاه بعدها تحولات عديدة. تتنقل بنا الكاميرا من نهاية السبعينات حتى منتصف التسعينات، بين ايطاليا و نيويورك و سويسرا ، تروى لنا قصة احد دور الازياء الشهيرة ، دونما غرق في تفاصيل عالم الازياء و الموضة، تتوالى المشاهد حاملة معها بعض اغاني و نغمات تلك الازمنة، و نرى معا كيف تتبدل المشاعر مع الوقت و تتغير الاخلاقيات وفق الظروف و كيف ان اقوى العلاقات في حياتنا قد تصبح هشة و مفككة احيانا من خلال المواقف او عبر الآخرين. عمل ليس مبهر رغم الاسماء الكبيره، و لا يخلو من الاستسهال في التنفيذ و الكثير من اللمسات الامريكية في تصغير الاخر، و طرح الاحداث العميقة بسطحية و تجاريه في بعض الاحيان، فالايطاليون الحائرون في دار ازيائهم لا ينقذهم بالتأكيد سوى تصاميم نابغة امريكي، و بعض شركائهم الذين خدعوهم هم بالتأكيد”عرب” يقبلون الرشوة و يتحدثون العربية، و لا ادري لم شعرت ان اجواء العمل اقرب للحلقات التلفزيونيه من اللغة السينمائية ، فرغم جماليات بعض مواقع التصوير لم توفق الكاميرا في رصد التفاصيل و التقاط الزوايا الأجمل . الفيلم لم يكن ممل، و كان في بعض المشاهد مسلي، لكنه بالتاكيد لا يخلو من المبالغات حتى وان ذكر بانه مقتبس من قصة حقيقية! اداء “ال باتشينو” لم يقترب من منطقة التوهج و كان اقرب للتكرار لكنه بالتاكيد اضاف للعمل روح مرحه، “جيرمي ايرون” كعادته ادى دوره الصغير باسلوبه السهل الممتنع و المتزن، “ليدي جاجا” الاجتهاد و المحاولة التي لا تخلو من جديه، “ادام درايفر” كان يقف في منطقة تمثيل طبيعية كونه يشبه نماذج لشخصيات قد نراها بارده رغم دفئها ، جامدة رغم عطائها، و في بعض الاوقات مستفزة، اما مفاجاه الفيلم بالنسبة لي كانت شخصية “سلمى حايك” و ادائها الغير متكلف لها. ان كان لديك بضع ساعات اضافية في اليوم و لا تعلم ما الذي ستفعله بها ، مشاهدة الفيلم ستكون فكرة جيده.
خروج
(*) المدينة التي امكث بها حاليا بوسطن في ولاية ماساتشوستس.
اسم الفيلم “هاوس اوف غوتشي”.
+ معلومات قد لا تهمك :
في مرحلة اختيار ممثلة كي تقوم بدور باتريزيا الذي ادته ليدي جاجا تم طرح اسماء عديدة مثل آن هاثاواي ، انجلينا جولي، مارجو روبي، بينلوبي كروز، ماريون كوتيار، و نتالي بورتمان.
روبيرت دينيرو كان مرشح ليمثل الدور الذي قام به جيرمي ايرون، و هو اخ ال باتشينو و شريكه في دار غوتشي، و ان حدث و وافق سيكون خامس فيلم يشتركان به معا.
كريستيان بيل كان المرشح الاول لدور موريتسيو غوتشي الابن الوحيد الذي احب باتريزيا.
ذكر الفيلم أن الزوجين غوتشي رزقوا بطفلة واحدة ، بينما الحقيقة انهم رزقوا بطفلتين الاولى في عام ١٩٧٦ ميلادية و الثانية ١٩٨١ ميلادية.
حين تم ترشيح ادام درايفر للدور كان جدوله مزدحم و تم ترشيح كريس ايفانز كبديل له في حال لم يتوفق في الانتهاء من التزاماته قبل بدء التصوير، لكنه في النهاية تمكن من حل الاشكال و القيام بالدور.
تم عرض دور بينا الذي لعبته سلمى حايك على مونيكا بيلوتشي لكنها رفضت الدور.
اضيف روابط لبعض الالحان و الاغاني التي احببتها في الفيلم :
مع دنو الخمسين .. ما المتبقي من العمر !؟ لا وقت للثأر، و الانتقام أو حتى رد الاعتبار.. لا وقت للشرح … و التوضيح ، أو الاعتذار .. هو وقت الإستسلام الكلي و الإتكال الكلي و ترك ملفاتك المبعثرة مفتوحة … امام المتحكم الجبار !
٣ –
لتحتفظ بالنصائح و خبرات السنين و تنشغل بالابتسام الثقيل على وجه حزين لتحترف التغاضي إن كنت تستطيع و تضع بينك و بين التحليل سد منيع و تتجاهل … تتجاهل .. حتى النخاع … و تزهد بالنقاش .. لتجنب الصداع … و اركن الى العزلة .. ففيها الخلاص و توقع الخيبة .. و من أقرب الناس !
+ اللوحة المصاحبة للفنان الفلسطيني “سليمان منصور” بعنوان (هروب مؤقت).
روى هذه القصة الشاعر عبدالفتاح مصطفى الغمراوي و نشرت عام ١٩٨٠ميلاديه في مجلة صباح الخير حيث ذكر انه حين قدم لها كلمات اغنية “اقولك ايه عن الشوق” توقفت عند هذا المقطع :
وعودك في الخيال غالية عليه و اجمل من حقيقة بين ايديه و اصَدَق كل كلمة قلتها لي و اكذب في هواك ظني و عنيه
و سألته : ” اين هذا الحبيب الذي اقفل امامه جميع حواسي !؟ فاجاب : حبيبي انا ..
انت بتحب يا عبدالفتاح !!؟
نعم
ايه مراتك ؟
لا ، الذي خلقني و خلقك و تولاني و انا جنين و سوف يتولاني و انا رميم و الذي تولاني ما بين الترابين. صمتت ثومه .. ثم قالت ” ايه ده كله .. احنا يا عم مش قد حبك ” (*)
و كان الشاعر قد تخرج من كلية الحقوق ثم نال دبلومة في الشريعة الاسلامية، و قد غنت ام كلثوم من كلماته ايضا ( لسه فاكر، طوف بجنة ربنا، انا فدائيون، لا يا حبيبي ، التوبة)، و في السبعينات الميلادية اخذ اتجاها صوفيا في قصائده و نظم مجموعة من الادعية للراحل عبدالحليم و ايضا ابتهالات انشدها الشيخ سيد النقشبندي، و هو من كتب ايضا كلمات مسلسل محمد رسول الله التي تغنت بها ياسمين الخيام، و كتب السيناريو و الحوار، ايضا فيلم الشيماء الذي مثلته سميرة احمد و ادت الاغاني بصوت سعاد محمد و كتب السيناريو و الحوار له و ايضا لفيلم رابعه العدوية.
(*) المصدر : مجلة صباح الخير ، العدد ١٢٥٦ يناير ١٩٨٠ ميلادية ، من موضوع ( هل انتهت ام كلثوم الاغنية و الاسطورة؟) الذي اعده الصحفي آنذاك الاعلامي محمود سعد، و قد نشر بعد رحيلها بخمس سنوات.
الاغنية من الحان رياض السنباطي و غنتها عام ١٩٦٥ ميلادية.
مشاركات وانطباعات واراء الزوار