كولينري بوتيك

27feb2017ddsd

يُعد يوم البارحة من الأيام الجميلة التي قضيتها في دبي و سأظل أذكرها طويلاً ، الطقس رمادي و ممطر ، و هذا أمر لم يحدث معي في زياراتي لدولة الامارات الشقيقة من قبل ، ربما لأن المواسم التي كنت أسافر فيها لم تصادف يوماً شهر فبراير أو نهايات الشتاء.
كان الضباب يحيط بعض جوانب المدينة ، و المكان الذي رغبت بالذهاب إليه في تلك الظهيرة ذُكر لي من قبل روح صديقة ، ربما لم ترافقني في سفري لكنها كانت قادرة على إضاءة جوانب جديدة لي في رحلاتي لم أعرفها من قبل ، و حملي إلى أماكن قد أتعلق بها و أحبها لاحقاً ، و قد حدث هذا مع مقهى و مطعم و مدرسة ” كولينري بوتيك” .
المكان اختار موقعه في دبي بمنطقة قديمة كنت أحبها و أعرفها ، لكونها كانت مرتبطة لدي ببدايات زياراتي و تعرفي على هذه المدينة المتعددة الأوجه ، كان هذا الوجه يتسم بالهدوء و البساطة ، يقع في منطقة لا تزدحم بناطحات السحاب و مع هذا تطل عليها من بُعد ، اتسمت المحلات في هذا الشارع بوجودها داخل مبانٍ تُشبه المنازل ذات الطابقين ، و لكل منها تنسيقه و هويته.
هوية المكان مليئة بالتفاصيل ، و تصميم الديكور مرتبط لحد كبير بما يتم تقديمه و يعكس روح المكان بشكل واضح ، مع لمسات مميزة أحببتها ، مثل استخدام الخشب في الأسقف بطريقة تشبه موج البحر ، اختيار جزء من بلاط الجدران بألوان المياه ، و تركيب الإضاءة المعلقة على “بار” ماكينة القهوة و الأطعمة بشكل “غير متشابه” يتفاوت ما بين الطول و القصر ، بحيث لا تبدو للناظر و كأنها رصت بشكل مستقيم، أيضا جدار البار الخشبي كان يشبه خلايا النحل ، تم تركيب القطع به بشكل نافر و بارز للخارج ، الورود تم توزيعها بشكل مختلف ، متناثرة و قليلة ، و مع هذا تبدو للعين كثيرة و جميلة و صباحية الإحساس ، إضافة إلى زهر الخزامي المجفف “اللافندر” و هو ما بدأت معه رحلتي في ذلك المكان، حيت اخترت قطعة من الكروسان المحشوة بكريمة اللافندر ، و التي تفاجئك بوجودها في الداخل بنعومة ، فلا تظهر إلا في آخر المطاف، لم تكن ممتلئة بها، و كانت هشة و شهية و زيّن سطحها بزهرة اللافندر و ألوانها، أيضا طلبت “كابتشينو” اللافندر و كان الطعم ناعما، و الرغوة كثيفة ، و القهوة لها وجود و لم تكن أقرب إلى “اللاتيه” مثلما يحدث معي في أماكن أخرى ، كانت النكهة خفيفة و لكن ظاهرة و كأن الحليب تم غليه مع الزهرة فاكتسب رائحته الهادية.
بعد ذلك اخترت أن أجرب “سمبوسة يابانية” حشيت بالسالمون و الإديمامي ، تقدم مع صوص قريب من المايونيز المبهر ذي النكهة الخاصة، تبعت ذلك بميلك شيك “التمر و الجوز” ، و من ثم فيرتاتا القرنبيط و الحمص ، و هي أقرب لفكرة الطعمية أو الفلافل لكن بنكهة مختلفة ، تقدم هنا على هيئة صحن “سلطة” و تقدم مع صوص الزبادي و النعناع و الأعشاب في طبق مجاور، شعرت أنها قد تكون فكرة جميلة لساندوتش أو طبق مقبلات ، بحيث تقدم وحدها بالشكل الجميل الذي قطعت به و تأتي برفقة الصوص و تغمس فيه ، فصحن السلطة رغم جمال التقديم في نهايته وجدته – بالنسبة لي – مبللاً و رطباً ، بمعني أدق الخضروات ربما أخرجت مائها أو “الدرسنق” كان خفيف الطعم و كثير الماء ، مما خفف نكهة الأشياء بشكل كبير ، تمنيت أن هناك متسعاً أكبر لأجرب “الكريم بروليه” ، أو كيك التمر ، أو ما رشحته النادلة لي من كيك الحليب الذي يقدم بنكهات مختلفة و يعد مميزاً لديهم ، لكن فعليا لم أعد أستطيع.
بعدها أخذت جولة في المكان و شاهدت دروس الطهي و للدقة الأماكن التي تقدم بها، و هي في مطبخين كبيرين ، الأول مشمس مع غرفة تخزين، و به كأن الشيف يقوم بتجربة طبق جديد لإضافته إلى قائمة الطعام ، و كان مما لمحته سريعا بيض مع أفوكادو و شريحة خبز محمص ، في المطبخ الثاني تم زراعة بعض النباتات التي تستخدم في التقديم و الطهي و كانت جميلة و آخاذة و ذكرتني بصفوف الدراسة الأولية تلقائيا، في هذا المطبخ شعرت ببعض الألفة و للدقة البلاط و توزيعه على الجدران ، سالته إن تم تصوير أي برامج هنا، فأخبرني بأنه يحدث فعلاً و مؤخراً أحد ماركات السيارات صورت دعايتها هنا ، هذه الدروس تقدم أيضا الأكلات الإمارتيه و الشرق أوسطية و تأتي بشيف زائر بين وقت و آخر ، كما أنها ليست مخصصة للكبار فقط ، فهناك دروس طهي خاصة بالأطفال و تقدم خصيصاً لهم .
بعد ذلك مضينا إلى المطبخ الخاص بالمعجنات و الحلويات ، و عرض علي بكرم أن أجرب قطعة مما هو أمامي لكني كنت اكتفيت ، من ثم مشينا إلى” التراس” و هي شرفة كبيرة تطل على الشارع من جهة و من جهة اخرى – وهو المنظر الذي أحببت – تطل على أشجار كثيفة يبرز من بينها برج خليفة مختفيا خلف الضباب ، أيضا دورات المياه تم تصميمها بشكل يتوائم مع روح المكان و بنفس الأسلوب حيث تجد قطعة الخشب الإسطوانية و التي تستخدم لفرد العجين زينت النوافذ كستائر و جدران الحمام ، كما أن المرآة في الممر كانت تشبه ألواح التقطيع ، كان هناك رغبة في أن يُعد المكان بكل ما هو مرتبط بالطبيعة و الحياة من حولنا ، بدءاً من الكرة التي كانت تمسك باب الحمام و أعدت من حبال ، إلى الممرات التي زينت بصناديق الخضروات و الفاكهة ، و الجدران التي كتبت عليها عبارات و أقوال لشخصيات مختلفة و بعض الطهاة ، كلها تفاصيل تجعل من المكان واحة هادئة و بعيدة عن زحام المدينة و المجمعات التجارية ، لتشعر بأنه مكان يُعيد تقديم”الحياة” لك بطريقة فنية و شهية !
أمضيت وقتي مستمتعاً في مراقبة الحضور و العاملين اللطيفين و تأمل الأشياء من حولي ، و شدني شاب له وجه مريح و ذهب لإعداد كوب الكابتشينو مع النادلة و لا أدري إن كان صاحب المكان أو أحد المتدربين في دروس الطهي ، فأنت ترى الناس تتحرك هنا بروح جماعية دون أن تفرق ساعات بين الطاهي و المتعلم و العامل إلا بملابسهم فحسب ، كان الجو العام جدا مريح و ربما هو الطقس و الوقت – فعليا لا أدري – لكن هي ساعات مضت دون أن أفتح كتاباً أحمله معي أو أشاهد رسائل وصلت لي على الهاتف ، هو فقط تأمل للمطر و الوجوه و الحياة و شعور بالنسمات العابرة من نوافذ المحل المفتوحة و محاولة تصوير لكل ما يمكن حفظه هنا فحسب.
ختاما شكراً لتلك الروح الجميلة على ترشيح المكان لي ، و شكراً لكل من دللوني في ذلك اليوم و لكل من ساهم في جعل هذا النهار مميزاً و مختلفاً كالمكان تماما .

~ بواسطة يزيد في فيفري 28, 2017.

2 تعليقان to “كولينري بوتيك”

  1. ياسلام احب مثل تلك المقاطع للاماكن و دبي تبدوبوجه اخر مع الامطار هنيئاً لك كانت زياره موفقه

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.