مقال لهذا الصباح

ربما لم يتابع عدد كبير من المشاهدين مسلسل (جوهرة التاج ) الانجليزي الذى قدمته القناة الثانيةِ .
والسبب كما يبدو هو جو القتامة والكآبة الذي يسيطر على أحداثه ، ومناظر البؤس والفقر والالم في الهند، وهو مناخ ( يسد نفس ) المتفرج المصرى الذي تعود ان – تدلعه – أجهزة الاعلام وتخدر مناطق الوعى والتيقظ فى داخله .

والنقد هنا لايمس كم الجهد المبذول من خلال برامج التلفزيون العربى .. ولكن يمس أسلوب تفكير أصبح يسيطر على حياتنا .. فنحن منعزلون – بارادتنا – عن المشاكل العالمية بل حتى عن المشاكل العربية رغم أنها تمسنا فى الصميم !

غارقون فى اهتمامات محلية ضيقة ، ونتعامل مع أجهزة الاعلام على أنها أجهزة صنعت من أجل التسلية ، و أى خروج عن هذا الهدف النبيل ، يقابل باللامبالاة ، فنحن لانحب ( العكننة ) !

وما يحدث فى العالم من حولنا يدعو للعكننة و يأتى هذا المسلسل الحزين ليدق بعنف و إصرار على وتر ( العكننة ) و يعرض لنا أواخر الفترة التى حكم فيها الانجليز الهند جوهرة انجلترا وكنزها الذى استغلته زمنا طويلا .

ويروى المسلسل من خلال آخر مجموعة عسكرية و مدنية عاشت فى الهند قبل الاستقلال تاريخ معاناة الشعب الهندى وبؤسه وكيف تم تقسيم الهند ، والانقسام الطائفى الذي غذاه المستعمر و الاغتيالات التى شجعها بشكل خفى حتى اذا ما استعدت القوات الانجليزية للانسحاب كى يتولى نهرو الحكم .. كانت الهند غارقة فى نيران الفتنة الطائفية .

و أنتهى المسلسل باشتعال الفتنة الطائفية، و ذبح الهندوس للمسلمين، وطرد المسلمين للهندوس من أراضيهم، وحرق متاجرهم وتقسيم الهند .. مع كلمات الرئيس نهرو الذي تولى حكم الهند بعد الاستقلال وهو يتمنى غدا أفضل للهند !

ورغم أن المسلسل انجليزى الجنسية الا أنه لم يحاول ان يزيف التاريخ بل عرف وجه المستعمر وكشف عن مصالحه .

أهمية المسلسل أنه يضع أمام المشاهد حقيقة تاريخية شديدة البساطة و قابلة للتكرار والتجدد فى أى لحظة ، فعندما يتحد الجهل مع الفقر و المشاكل الاقتصادية و يختل ميزان المجتمع يصبح المناخ ممهدا لبذر الفتن الطائفية التى لا يجنى ثمارها سوى تجار السلاح و أصحاب المصالح .

وتقول البطلة سارة الانجليزية التى أحبت ( أحمد قاسم ) الأمير الهندى المسلم بعد أن ذبح على ايدى الهندوس الذين هاجموا القطار الذى يستقله و قتلوا كل الركاب المسلمين :

⁃ “بعد ٢٠٠ عام من الاحتلال الانجليزى أنظروا ماذا فعلنا بالهند “

والجملة لها بقية تكتمل فى ذهن المشاهد بعد أنتهاء الحلقات .

فما صنعه الانجليز بالهند فى الامس .. قد تصنعه أى قوى لها مصالح – اليوم – فى أى مكان بالعالم الثالث فهل ينتبه السادة المشاهدون .. ؟؟

بقلم : منى سراج
من : مجلة صباح الخير
الفترة : يوليو ١٩٨٤
صفحة :مساء الخير
عامود : تلفزيونيات
اسم المسلسل باللغة الانجليزية :

The Jewel in the Crown 1984

~ بواسطة يزيد في سبتمبر 6, 2025.

رد واحد to “مقال لهذا الصباح”

  1. […] Source link […]

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.