تناديك
هنا رحلة الى عالم آخر ، بها العاشق غارق في حبه ، يعبر عن خلجات نفسه ، دون أدنى خجل و بعيداً عن أي مساس بكبرياءه ، فهو هنا محب ، راغب ، يهوى التحدي ، و اختيار الأصعب ، و الأصدق ، دون تنازل عن حق أو كرامة ، صدره قادر على احتواء تنهيدته المليئة بالشوق أو التعب ، و قادر على اختزان غضبه و استفزازه ممن يحب ، يحفظ شعوره كما يحفظ ماء وجهه ، و يترك مساحة لمن يحب كي يتحرك وفق ما يريد كي يعرفه ، و يعرف من هو بالنسبة له .
هنا أغنية استمعت لها ، التصقت برأسي دونما استئذان ، لأجدني ادندن بها في مشاوير عده ، دون أن افكر بها أو أستمع لها كثيراً ، بها دفء غريب ، كأنه يتسرب من أغنية قديمة مألوفة ، تستسلم لها عند سماعها و تمضي معها ، لتتمايل داخلياً دون أن تشعر مع أصابع الأورغ ، خاصة في المقاطع الخالية من الكلام ، و في هذا الجزء تحديداً تجد شيئاً يحملك لأجواء أغاني السبعينات ، بكل ما بها من بساطة و رتابة غير مملة و استمرار و خلود غير مبرر !!
هنا أغنية تتناسب مع منطقة ماجد المهندس الصوتية ، و هي منطقة تعتمد على ابراز الأحساس و عدم تغطيته بهالة موسيقية تُخفيه ، فهو شئ صافي كالماء و أي الوان اضافية و صخب قد يلغي بساطة طعمه و نقاءه ، لا سيما أنه صوت امتداده محدود لكن احساسه لا متناهي ، و مؤثر بقوة تتجاوز أي صوت جبار إن ترك مساحة لذاك الأحساس ، و لتلك النبرة لكي تتحرك في درب يستوعب تلك الحنجرة القابلة للكسر إن أُخذت بعيداً عن منطقة الأحساس ، و وضعت في مهرجان موسيقي صاخب لا يشبهها و لا يعد شبهاً لها ، و يلتقي هنا ماجد مع فضل شاكر ، نجاة الصغيرة و عدة أصوات تكمن قوة صوتها في ضعفه !
اما الشاعر هنا فكشف لنا عبر مفرداته عن ملمح جديد له ، كفارس حرب أماط اللثام عن وجهه و باح ، لنرى ما يتجاوز لون بشرته و عيناه ، و نتلمس في قوله نعومة لا تخلو من قوة ، و ضعف لا يخلو من كبرياء .
هنا اضاف احساس جديد في الشعر المغنى ، دمج الشعر الشعبي و المفردات النبطية ( هماميل ، محاجيل .. ) بفصاحة اللغة ( تأويل ، لله دره ، كل كره .. ) و بأسلوب انيق ، أبتكر به عبارات مختلفه ، و بطريقة متفرده و مميزه كالنص تماماً .
لغته الشعرية الغارقة في المحلية كانت ترتدي “سموكنغ ” ، و تباهي البادية و فخرها توارى خلف قفازات بيضاء مسالمة ، لكن تظل خطوط الانامل واضحه ، جليه ، مع فارق ابسط و هو ظهورها بطريقة أنعم ، هو في هذا التناول الجديد و المنغم ، جعل أي لفظة نبطية قادرة على أن تتضح للمتلقي ، و تنجلي عتمتها عبر الكلمة التي قبلها و بعدها ، فمن خلال وضعها في سياق الجملة تكتمل الصورة .
شعرت بأنه استخدم التضخيم و الجمع لتأكيد التعبير ( تناديك رغبات المقابيل ) ، النداء هنا متشعب ، عميق ، تصرخ به كل الجوارح ، العين ، العقل ، القلب ، كافة الأحاسيس و باقي اعضاء الجسد ، كل ما به راغب ، و يدعو المحب ، دون أن يختصر عميق احساسه برغبة واحده او جزء واحد .
تلمست البعد ، المسافة ، بعبارة مباشرة و واضحة (من الارض و انت في المجرة ) ، أحسست بعذب دمعه في تعبير غير مباشر ( و أهز الجفن و تطيح قره ) ، كما أحببت الطفل الذي بداخله و بحثه عن روح الأم في محبوبته و سعيه لتسامحها و تفهمها في قوله ( و أبي صادقات التهاليل اذا جيت ابشكي و اتشره ) ، ايضا خصوبته و طمعه و حبه للأمتلاك و عمق رغبته في جديد تعبيره ( أبي منك ما ينهد لي حيل ) ، و ابتسمت اعجابا لأعتداده و تقديم تقدير الذات على الرغبة ، رغم عمق التولع و الاحتياج ، و شدة الحرص على أن يأتي كل ما يحبه و يريده طواعية ، دونما أجبار ، لكون وقعه على النفس التي تشعر بأستحقاقها و أحقيتها أكثر لذة حين قال ( اذا جيتي استاهلك بالحيل و اذا كان ما تبغين حره ) ، ايضا أحببت تلك النبرة المطمئنة و المحرضة في الوقت ذاته حين أطلقها بشكل تلقائي قائلاً ( ترى كل هالدنيا تساهيل .. ما دام اننا بنعيش مرة ) .
غزل نصه بهدوء بادية ، و وداعة وردة تتفتح بصمت ، حاكه بعناية فائقة ، طرزه بالتشابيه و الصور ، حتى تكاد أن ترى ما تسمع و تشعر به ، مما منح النص حالة استثنائية قلما توجد في نص شعري آخر حتى للشاعر نفسه !
اما الملحن هنا فقد ميز العمل بمنحه اجواء الحكاية عبر النغم ، لتشعر بأنك تشاهد فيلما هندياً – عبر بداية اللحن – أو أحد قصص الف ليله و ليله ، يحملك لذاك الجو الأسطوري بعمق الحكايات ، دونما بذخ في الآلات الموسيقية التي قد تقتل كل شئ عبر توزيع موسيقي قد يتصور أغلب المنتجين أنه الرغبة التي يودها الجمهور و يجرؤ على التحدث باسمه دون يقين ، المتلقي هنا يعي انها ليست اغنية راقصة بل اغنية للروح ، للوجدان ، للأذن ، و للذاكرة ، ولدت لتبقى في البال بعد مرور وقت ، كطفلة تأسرك في بساطتها و هي ترتدي ثوب عيدها ، تتحرك بنقاء غير متسخ بصخب الآخرين ، سعيدة في يوم خروجها ، تنسج ذكرياتها الخاصة بكل تفاصيلها ، و تنطلق بحرية نسمة كما هي ، تتكون بفطرتها فتمنح ذاتها وجها لم يعرف إبر البوتكس و نرى في بساطتها عمق طبيعتنا .
هو لحن به اسراف عاطفي بانضباط ، بعيداً عن ذاك التوزيع الذي يستجدي الجماهير كي ترقص ، و عبر تصور قاصر بأن كل ما يسمع هو معد للهز ، و يجب أن يرقص عليه ، او حزين بشكل مبالغ به .
هي أغنية فنية بصورة ( الديمو ) الذي ظهرت به ، و اراها متكاملة كما هي ، دونما اي اضافات اخرى ، بها الكثير من براءة الحان حفلات نهاية العام المدرسية ، و بها شئ من خفقات القلب الذي يحب للمرة الأولى ، بها من كل شئ جميل شئ ، و أجمل ما بها أنها تشبه ذاتها ، و اعدها حالة خاصة و تحدي كبير صعب أن يتجاوزه الثلاثة الذين اخرجوها لنا بالصورة هذه .
كما اشيد بجمال روح ” الهرمي ” عبر اضافة صوته ككورال مصاحب ، و قد فعلها قبله محمد عبدالوهاب مع فيروز في البوم اسهار ، مما يضفي دائما للعمل ذكرى خاصة و احساس جماعي جميل بالعمل يصل للمتلقي بشكل تلقائي و طبيعي .
في الختام شكرا بعمق اللحن ، و قوة الكلمات ، و احساس الصوت .
مرحبا اخوي يزيد اخبارك ان شاء الله طيب ,,
حبيت استفسر بخصوص اسطوانة بشير شنان هل هي موجوده عندك,,
دمت بخير اخوك عبدالاله العنزي,,
al-anazi (@ab000dd) said this on مارس 8, 2016 في 2:03 ص |
اطمئنك بخير اخي الحبيب و اتمنى تكون ذلك …
اما عن الاسطوانة فصدقا لم اجدها .. و ان فعلت سأتواصل معك دمت بخير .
يزيد said this on مارس 8, 2016 في 9:03 م |
شكرا لك اخوي يزيد ماقصرت,,,
al-anazi (@ab000dd) said this on مارس 9, 2016 في 3:17 ص |
نقدك لكلمات الأغنية ذكرني بالدكتور غسان الحسن في شاعر المليون، أضاف الكثير من الجمال لها.
👍
الوليف said this on ماي 2, 2016 في 10:21 م |
حقيقة وجدت هذه التدوينة في أول قائمة الأعلى مشاهدة، وعدت إليها مجددا ولفت نظري الصورة المصاحبة.
حاولت أجد لها تفسير يتواكب مع كلمات الأغنية
فتاة فوق سحابة، قد ترمز للمجرة
وهو ينادي برغبات المقابيل من الأرض ؟ ☺
ولكن ما هو المكتوب في المربع بجانب كلمة حيل؟
والهاءات إلى ماذا ترمز؟
وما هذا الشكل الذي بجواره على الأرض؟
ياليت تشرح هذه الرسمة
بنفس أسلوب نقدك للأغنية لو تكرمت
وشكرا
الوليف said this on ماي 16, 2016 في 12:56 ص |
اللي مكتوب جوه المربع – اصيص الورد – زخرفة .
و الهاءات – اول مرة انتبه انها تشبه حرف الهاء – مجرد زخرفة .
الشكل الذي بجواره من المفترض انها خيمة 🙂 .
اما اني اشرحها بنفس اسلوب الكتابة اللي فوق صعب لسببين ..
الرسم لي ، و الثاني انها مجرد شئ كنت اسويه وانا اسمع الاغنية و شعرت ودي احتفظ بالرسمة لذكرى اللحظة اللي كنت اكتب بها الموضوع فحسب .
دمت بخير .. و عفوا .
يزيد said this on ماي 16, 2016 في 1:15 ص |
أحسنت في كل تفصيل أضفته فعلا قصيدة تلامس القلب وتحرك المشاعر الجميلة
نورة said this on ماي 19, 2016 في 12:38 م |
شكرا نورة .
يزيد said this on ماي 20, 2016 في 5:27 ص |
اخي يزيد
اعجبتني الاغنية بكل تفاصيلها وتحديداً كلماتها وبحثت عن معاني بعضاً منها فوجدتها عندك، واشتد اعجابي بها بعد ان قرأت كلماتك (المجنونه) والتي عبرت عن جنون هذا العمل الثلاثي الراقي بفصاحة وبلاغة لا تخلو من المفردات الرائعه، والتي اخذتني الى منحى آخر من ذلك الاعجاب، وكل ذلك نفتقده في ايامنا هذه.
سلمت يمناك وسلمت.
أبو عمر
أبو عمر الظاهري said this on ماي 24, 2016 في 4:27 ص |
تسلم والف شكر لك .
يزيد said this on ماي 25, 2016 في 4:12 ص |
شو يعني ريم المكاحيل ؟
ريم said this on ماي 25, 2016 في 1:04 ص |
لا استطيع أن أجزم لكوني لست الشاعر .. لكني اتصور التالي ..
الريم : كما هو مذكور في ويكبيديا ” تجدر الإشارة إلى أن الريم الذي تغنّى بها الشعراء العرب ليست هذا النوع من الغزلان، بل إحدى الأنواع التي قطنت شبه الجزيرة العربية والتي تُعرف أيضا باسم الغزال الدرقي .. تمتلك الغزلان النحيلة القرون جسداً قشديّا لامعا على القسم العلوي، خطوط عرضيّة بنية باهتة على الجانبين، وقسم سفلي ناصع البياض كما الكفل،[3][4] بالإضافة لذيل بني داكن. يمتد خطين عريضين من عينيّ هذه الغزلان وصولا إلى أنفها، بالإضافة لخط داكن يمتد بين العينين من الجبهة وصولا إلى الأنف.” و بالتالي هي فطريا و بشكل رباني مكحلة بخط داكن حول عيونها و ناصعة البياض .
المكاحيل : من كحل و هو اللون الاسود المستخدم في صناعة مادة يتم بها تكحيل العيون ، و المكاحيل هم من استخدموه .
و حين يقال يا ريم المكاحيل .. فالمعنى ان من بين جميع من تزينوا به و تكحلوا انت الريم .. ذلك الكائن المكحل دونما كحل و بشكل رباني .. الغير متزين .. لانه جميل بالفطرة .. و بالتالي ربما شكليا تكوني من ضمنهم ايتها المكحلة لكنك خارج السرب و تتفوقين عليهم بكون كحلك لا يمضي و يبهت و يسيح أو يغسل فيختفي .
وهذا مجرد تصور فحسب و اجتهاد و لكن المعنى دائما .. في بطن الشاعر .
يزيد said this on ماي 25, 2016 في 4:22 ص |
فعلا اغنيه جميله
ولكن لم يكن هذا سبب ما اتى بي هنا
لفت انتباهي الرسومات الرمزيه بجانب الكتابه يشبه شيء افعله انا دوماً رسومات توضيحيه خاصه اثناء الدراسه لسهوله التذكر بهذي الطريقه بالنسبه لي
مدونتك جميله يزيد
ضُحى said this on جوان 9, 2016 في 11:25 م |
شكرا ضحى .
يزيد said this on جوان 10, 2016 في 4:18 م |
جميل عاشت ايدك
fadwa altamimi said this on جوان 29, 2016 في 11:36 ص |
شكرا لك .
يزيد said this on ديسمبر 16, 2016 في 5:58 ص |
صراحه اغنيه رائعه بتزكرني باغاني زمان صوت ولحن وكلمات روعه
شذى said this on ديسمبر 30, 2016 في 11:40 م |
اتفق معك .
يزيد said this on جانفي 24, 2017 في 5:54 ص |
ما معني طموحاتي الغر المحاجيل
اية said this on ديسمبر 9, 2017 في 2:15 م |
اتصور .. طموحاتي البريئة البسيطة المقيدة .. الغر من غر .. أغر .. بسيط قليل الفطنة صغير قليل الخبرة مثلا .. المحاجيل .. من حجل و هو ما قيد الساق مثل الخلخال و احيانا يكون ثقيل و يصعب الحركة فيثب الانسان بصعوبة .. و هذا فهمي البسيط ان له طموحات بسيطه و مشروعه لكنها مقيده
يزيد said this on ديسمبر 10, 2017 في 8:18 ص |
أتفق معك كثيراََ فيما ذكرته عن غناء ماجد المهندس وأن طبقة صوته تشبه إلى حدِِ ما فضل شاكر، وهنا أغنية سمعتها بصوته وبصوت فضل شاكر وكذلك بصوت عبدالحليم، أحببتها أكثر بصوت ماجد المهندس 🎶
تحياتي لكَ وكلُ عامٍ وأنتَ بخير 🌷
outya said this on جوان 6, 2019 في 6:39 ص |
وانت بخير يارب
يزيد said this on جوان 6, 2019 في 10:06 ص |
كيف احط الف لايك ♥️♥️♥️♥️♥️
ريانه said this on جوان 11, 2019 في 10:28 ص |
وصلوا 🙏🏻
يزيد said this on جوان 16, 2019 في 7:15 ص |
شنو معنى تناديك رغبات المقابيل ؟؟ شنو هي المقابيل
ممكن توضيح لهل كلمة ؟؟
Rose said this on ديسمبر 14, 2022 في 2:37 م |