رسالة إلى أفلام السبعينات ..

270film

” ..     لا أدري حقا لم التصقت بك تلك السمعة السيئة !
و قيل أنك أفلام تعرٍّ و مرحلة سقوط ما بعد النكسة ..
و كلام كثير كان يشوه ارتباطي القدري بك ، و الذي حدث بشكل تلقائي و منذ الولادة .
إن أول دار سينما دخلتها كانت في ذلك الوقت ..
و أول فيلم شاهدته كان في ذلك الزمن ..
فيلم كان فيه من الأغاني و الفرح بقدر ما فيه من العاطفة و الحزن الذي يلون الأعماق بطيف رمادي ناعم كغيمة لا تمطر  ..
لا تؤذيني بشكل تام أو تشوه العالم في عينيّ أو تعزلني عن الاستمرار و المضي مع الحياة و التفاعل معها و مع ما تأتي به ..
كان الترفيه حينها حياكة .. إبرة تغزل كل شئ بجمال تسعى إليه و إن لم يكتمل ..
بدءاً من الموسيقى التصويرية التي كانت تضم خيوطا ملونة لكل منها لونه و تدرجاته ..
إلياس الرحباني .. عمر خورشيد .. هاني مهنى .. بالإضافة إلى ألحان من الموسيقى العالمية ..
فأعيش عبر التعدد اللوني و النغم سفراً أحبه و أكرره …
به تتحرك مشاعري ما بين حد الحداثة مع الجيتار و الأورج و حد الأصالة عبر الرتم الشرقي و الدف و الطبل و العود و الناي …
أحيا مع قصص بعضها بسيط يرسم ابتسامة فحسب و بعضها أكثر عمقا مستوحى من أفلام عالمية أو روايات لكتّاب كنا نقرأ كتبهم و نطالع سطورهم باستمرار .
لم تحملي في طياتك زمناً سيئاً لكن ربما زمناً يراه البعض مزيفاً ..
غارقاً في رسم الصورة الحلوة عبر الرموش الصناعية و الشعر المستعار و الأحداث المنفصلة عن الواقع في بعض الأفلام ..
ومع هذا لم أكن أشعر بذلك و لم أكن أراك سوى أفلام بها بعض المبالغة التي لا تخلو من جمال و ذلك لإضفاء إحساس ما و بهجة تفصلنا عن واقعنا أو تجعلنا نراه بشكل آخر .
لم أشعر يوما ما أن كلمة ” أفلام لبنان ” تهمة ..
بل أراها رحلة إلى ماض احترق بعضه لكن بقي بعضه في طيات مشاهدك ..
معك  زرت ” ” مكتبة أنطوان ” و ” مغارة جعيتا ” ..
ذهبت ” للروشة ” و مررت  ” بسوق الطويلة ” و ” شارع الحمرا ” ..
راقبت بحر بيروت .. و الحياة .. و الناس ..
وعرفت ما يؤثر بي و يرسم الابتسامة على وجهي أو يحرك الدمع في عيني ..
تعرفت على بعض ذاتي .. و على  زوزو .. و أميرة .. و حميدو .. و سكر ..
عشت زمني الذي ولدت به مرتين ..
مرة حين كنت أحياه و آخرى حين كبرت و بت أتأمله من خلالك .. !
استمعت إلى أغانٍ وضع ألحانها نخبة من الملحنين ..
محمد عبدالوهاب .. كمال الطويل .. بليغ حمدي .. حلمي بكر .. و فريد الأطرش .. و آخرون .
و شاهدت نجوماً و نجمات لكل منهم مقوماته و خصوصيته و تكوينه ..
أما أنت فكنت تشبهين أبناء جيلي .. عبر أفلامك المتباينة كشخصياتنا..
بك المتأثر بالغرب .. العاطفي .. السياسي .. الشعبي .. الاستعراضي .. خفيف الدم .. أو المرح فحسب ..
أما نحن أبناء جيل السبعينات  تأثرنا بك و دون قصد منا حملنا بعض تكوينك الرومانسي  ..
الغارق في المشاعر و الأحاسيس .. فعشنا حالمين كعاشقة ..
مرهفين كجرح مفتوح على الحياة .. عبثا لا يندمل ..
نزف صدقه يمنح تجربته براءة و ارتباك و قد يضفي علينا الكثير من الحيرة  … !
لقد اقتربتِ مني .. حرّكتِ مشاعري الجميلة ..
و ربما خففت من رداءة الواقع أحيانا .. أو أضفت لها !
ومع هذا لم أكن أملك سوى أن أحبك كما أحب واقعي و أرضى به ..
لأعيش و أتعايش مع ما حولي و لو بأدنى حد من السلام الداخلي الذي أحتاجه ..
كنت أهرب لك .. أضيع مع مشاهدك .. روحي تغدو أسيرة أحداثك ..
أبقى في مكاني بعيون مفتوحة .. و الأشياء تتحرك من حولي و داخلي ..
فأكوّن انطباعاتي الأولية عن الأشياء ..
أرقب العلاقات الإنسانية .. كيف تنمو .. و تكتمل أو تنتهي …
طفلا يتجرع من كأسك دون أن يتمكن من تمييز ما قد يسمّه أو يقويه ..
لكنه يشرب .. و يثمل .. غير محللا للكأس و ما يحتويه ..
ليمضى الوقت و يبقى بعض خمرك في شرايني ..
و يدخل بعض زيفك في طبعي و تكويني ..
كنت أصدق أكاذيب الشخصيات الوهمية التي تحتل شاشتك و أتفاعل معها و أتأثر لها ..
كنت أتوقف أمام بعض الجمل و الكلمات و أعيد مشاهدة بعض المشاهد و أحفظ الأغنيات ..
اليوم سرت في حديقتك و قطفت لك من خمائلك سبعين زهرة لأهديها لك ..
و أضعها في قائمة تحفظ سبعين فيلما عربيا من أفلامك ..
لم أختارها لكونها الأفضل فنياً أو الأجمل بل لأن عاطفتي دفعتني لذلك ..
أضمها في صفحتين للمشاهدة و التقييم مرة آخرى ..
معك أمضيت الساعات .. و لونتِ في عيني الحياة ..
معا عشنا رفقة عمر .. و بقيت في البال ذكريات ..
شكراً  لأني حين أتيت .. كنتِ هنا ..
شكراً بوسع المدى .. و بعمق الحياة ” .

~ بواسطة يزيد في سبتمبر 10, 2013.

8 تعليقات to “رسالة إلى أفلام السبعينات ..”

  1. أيحق لى إعتبارك .. آخر الأوفياء لزمن لن يعود .

    لحقت آخر أثير هذه الأجواء .. بعض منها وجدته فى سطورك
    و قضت عليها .. قائمه السبعون إسماً , و كأنها مسوخ تحمل نفس الإسم .. و تجسد الواقع
    أقرأ إسم الفيلم .. و أحاول جاهداً الخروج بصورة ما لأتذكر أبلغ مافيه .. ولا أستطيع

    نفس الإحساس .. عندما أشاهدها فى قنوات الدعايه , أفقد الرغبه بالإهتمام .. ثم بالمتابعه , شئ ما يوسوس لي بأن ما أشاهده قد مضى و لن يعود .

    .. و كأنها حفله جمعت ما جمعت و فجأه .. قرر الجميع الرحيل

    حزن الرحيل أصابني من هذه التدوينه , أفراد ذلك الجيل ” لم يعبر منهم أحد ” , على مدار ثلاثة أيام ماضيه و أنا على إنتظار حضور أحدهم ليسجل .. حضوره – حضور السبعينات آخر زمن لحرية الإنسان العربي .

    لكل زمن روح تسكن أحياءه , و ترحل برحيلهم * حكمه أستسقيتها من هذه التدوينة..

    * تذكرته بالرغم من معرفتى به إلكترونيا – وهو لا يعرفنى من 2008 , قد تجد بعض البهجه في سطوره
    http://is.gd/U6IHA1

  2. سطورك جعلتني اتذكر عبارة تكتب أحيانا ” لم يحضر أحد ” !
    لكن ما اشعر به ان البعض قد يحضر دون ان يسجل حضوره …
    تماما كما تفعل نسمة هاربة في مساء صيفي .. تعبر فحسب ..
    عداد الزوار يحصي .. و السطور قد تكتب و تمحى في نفوس العابرين و اتفهم ذلك تماما !
    احيانا قد نحمل مشاعر صعب ان توصف .. و في احيان اخرى نخشى ان بدأنا أن يخذلنا الحرف او انفسنا و نشعر عندها اننا قد تورطنا في فتح جرح ما نرغب في تجاوزه و الاستمرار في معايشة الواقع و التكيف معه .. كسائق يركز في طريقه السريع .. يمضي بلا مرايا .. و يتجاوز اشارات العبور و حنينه ليصل الى الاهداف التي يرجوا تحقيقها و لكي لا يؤخر ركاب معه عن المسير و الوصول .
    اتفهم كل ذلك .. و اعيه .. تماما كما اتفهم سطورك و اعيها و ادرك تناقضات الانسان الذي ان منحته فرصه ان يعود لشخص كان يحبه او زمن مضى قد يؤكد رغبته بذلك و عند التطبيق قد يكون اول الهاربين .. مخافة افساد ماضي هو اول من يدرك انه لا يعود وان عاد فلن يشعر به بالطريقة ذاتها لكونه تغير .. بعض الترف يفسد .. بعض الحرمان يورث القسوة .. بعض التشبع يجعل ايمان الانسان باشياء عديدة شبه مستحيل .. ولكن الحياة ايامها تتدافع .. يستمر بعضها في ازاحة الآخر و محو اثره .. وكانهم البشر في رحلة تنافس قصيرة .. مهما وصلوا بها لاشياء عديدة ستنتهي نهاية واحدة .. لكن ما يحدث الفرق هو نوع الميتة .. هل هي مشرفة و بعد انجازات مهمه قد تبدو بسيطه كضوء الشمس .. لكنها مؤثرة ولو على محيط ضيق .. أم مهينة و محزنة و ان تخللها الكثير من اوسمة الشرف و شهادات التقدير الغير مستحقه !
    كل ما هو مرسوم بين نقطة الانطلاق ونقطة النهاية مهم .. و لكل منا خطه المستقيم او المتعرج او المرتجف خوفا .. احسن الله نهايتنا جميعا و ساعادنا على رسم خطوطنا بشكل يجعلها تحسب لنا لا علينا .

  3. ” و ادرك تناقضات الانسان الذي ان منحته فرصه ان يعود لشخص كان يحبه او زمن مضى قد يؤكد رغبته بذلك و عند التطبيق قد يكون اول الهاربين .. ”

    كيف لنا أن لا نجد أنفسنا بين سطورك ..؟!!
    شكرًا لـ مداد يقرأنا قبل أن نقرأه .. 🌹

    • شكرا لسطورك بكل صدق .. وتدهشني دائما قدرة هذه الابجدية على تعميق المشاركة الانسانية و الاختصار و احداث الأثر !

  4. لم أحظى بفرصة مشاهدة أفلام تلك الفترة. لكني متأكدة بأن السبعينات و الثمانيات كانت من أجمل الفترات التي مرت على السينما العربية و الأجنية

    تدوينة جميلة لزمن جميل. تحياتي

    • لك أن ترى و تتحقق إن كانت فعلا كذلك أم لا .. وفي كل الأحوال يظل الجمال في عين الرأي لا في الأشياء فحسب .. شكرا لمرورك 🙂 واهلا بك

  5. شكرًا لك أنت أستاذ يزيد ” بوسع المدى وعمق الحياة” !

    • 🙂 وشكرا لك بصدق وليست عابرة .. لقد كانت روايتك الأولى التي نشرتي .. صديقة لي في ليالي طويلة كنت اقضيها برفقة انسان اعيته الحياة قليلا قبل المرض .. في المشفى كنت أقراء وعبر سطورك أخرج من حيز المكان الذي لا احب الى مكان افسح .. به شخصيات اتفاعل معها و تحي هذا الصمت الذي يحيطني وتلغيه .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.