افتح .. افتح

بروح متعبة أكتب سطوري لك ..
روح أرهقتها رحلة الحياة حينا ،  و الكبار الذين بها أحيانا .
هؤلاء الكبار الذين كلما كبرت تقزّموا و صغروا دون أن يصغروا حقا ، فلا براءة تسكنهم و لا تجاوزاً لخلاف و لا نسيان .
أهاب أرواحهم المثقلة بالكراهية و قلوبهم المليئة بالضغينة و خطواتهم الغارقة في وحل التنافس على الفتات ، يخيفني ضياعهم في دروب كنت أراها في طفولتي أجمل ، تخنقني أنفاسهم المترمدة الجافة المليئة بدخان الحياة العمليّة فهي تسلبُ أكسجين الحلم الذي أعيش عليه و كلماتهم العابرة قذائف تحطم كل جميل عرفته و رغبت أن أشاهده كذلك !
على موائد طعامهم يقتاتون الغيبة ، و يشربون النميمة في كؤوس من فضة أو في أكواب كرتونية على الطريق ، تلك الأكواب الصالحة للأستخدام لمرة واحدة و من ثم تُلقى بكل إهمال في سلة المهملات ، هذه الفكرة تفشّت كما الحريق و انتشرت كما الجراد لتأكل كل أخضر سهرنا على رعايته و تهلك كل مورق حرصنا عليه ، لقد باتوا يبدلون أحبتهم كل ليله و لكل ليله حبيب جديد ، يتعرفون عليه عبر أحدث الوسائط الإلكترونيه و يقتربون نحوه بضغطة زر ، يغيّرونه كما يغيرون أحذيتهم و ثيابهم و ملابسهم الداخلية ، قادرين على إلقاء أقرب الناس إليهم و أهم القيم التي تربوا عليها في سلة مهملات الماضي لأجل غدٍ مشرق و مستقبل واعد تملؤه مصطلحات شديدة التعقيد ننشغل بها و بشرحها و الرغبة في تطبيقها بعيدا عن الحقيقة ، ديموقراطية ، ليبرالية ، و الكثير مما هو يحمل من اللفظة وزنها و جرسها و دون أن يحمل شيئا حقا !
بعض الصغار الذين عرفت سعداء لأنهم كبروا و باتوا ينتعلون تلك الأحذية التي كانت واسعة عليهم في يوم ما ، و بعض صديقات الطفولة أعرف أحزانهن و أرقبهن يخفينها خلف وجوه تُرسم كالأقنعة بمساحيق التزيين ، ينتعلن الكعب العالي في محاولة للارتفاع و الابتعاد عن طرق تشدهن للأسفل فيسيرن في دروب علقن بها و يجب إكمال المسير ، طرق من خلالها و خلال ما أنجبن يحاولن بعث ماضينا الذي عشنا من جديد ، يحاولن إقحامه كتراث عتيق على جيل لن يفهم الكود السري للحن و لن يتأثر بالكلمة .
أبحث عن أبوابك لأطرقها .. لأختفي خلفها و أعود طفلا في  شارع عشرين .. له أصدقاء يراهم و لا يرونه من خلف زجاج الشاشه .. يلتقي معهم حيث تفتح أبوابك كل يوم بميعاد نعرفه جيدا .. حفظته قلوبنا و التزمت به فطريا و دون أن تلجأ لعقارب الساعة .
اليوم بخط حبره دامعٌ أدعوك ” افتح .. افتح .. ”  لتعيدني هناك على تلّ الطفولة و تنساني .. لماذا !؟
لأننا كنا في مساحات العمر المنسية ” نفرح .. نفرح ” بعيدا عن الغد الذي حلمنا به و الذي لا يشبه الغد الذي رسمته أنت لنا !
إن الحياة لا تشبه ما عرفناه معك .. هي حلمٌ مخيف .. به بِتّ أخافُ نفسي !
حلمٌ يتخلله فراق .. و انتهاك .. و جرائم دوليه تتم باسم الحرية و العدالة و ترتدي عباءة الدين !
اليوم أطرق أبواب الذكريات لأني لا أعرف مكان أبوابك .. أرقب الفراغ حولي في انتظار مستديم لك أو لشئ آخر يحملني بعيدا عن كل ما يحيطني  .. و أهمس في اعماق نفسي نشيدك ” .. افتح خرجينا .. فرجينا .. دنيانا جمال .. ” و يتردد سؤال هل باتت فعلا كذلك !؟

~ بواسطة يزيد في نوفمبر 13, 2014.

4 تعليقات to “افتح .. افتح”

  1. الأطفال عباقرة و فلاسفة بالفطرة , كائنات مُتسائلة تسيطر عليهم الدهشة حتى إذا كبروا .. نمّطناهم و حولناهم إلى حمقى.
    د. عدنان إبراهيم

    إنهم يكذبون و يسرقون و يغشون و يغتصبون ووسط ذلك كله يسعون وراء الله بكل شغف
    كيركغارد

    هلا تسمحون لي أن أعلّم إني أن الإقتداء بالرسول الكريم يبدأ بنزاهته و أمانته و صدقه .. قبل لحيتة و قصر ثوبه
    نزار قباني

    العالم يفكر في حاضره و يبنى لمستقبله .. و نحن نتجادل في ماضينا لنسحق مستقبلنا
    على رضا

    إن مشكلة هذا العالم تكمن في أن الحمقى و المتعصبين دائماً ما يشعرون بالثقة في أنفسهم .. أما العقلاء فهم يشكّون دائماً في قدراتهم
    برنرالد روسل

    كل شئ رائع .. ولاأحد سعيد
    مجهول

    مقولات سبقت عصرنا و لم نسبقها حتى .. الغد.

  2. تدوينة جميلة حركت فيني كثير من المشاعر المختزله ،، اشكرك على ابداعك المتواصل وامتاعناً دائماً باسترجاع الماضي البسيط الذي كل ماتذكرناه ابتسمنا

اترك رداً على o7447o إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.