قراءة أفراح القبة

كيف أتى القرار ؟

20may2016a

    بدأت الحكاية حين شاهدت في (اليوتيوب) الإعلان مصادفة ، و للدقة لم أشاهده لكن قرأت العنوان و استوقفني لشعوري بأنه مألوف و قد مرّ علي . تذكرت أنها رواية لنجيب محفوظ و اشتريتها حين كنت أقتني أعماله الكاملة بشكل منفصل و ليس مجلدات ، و ذلك لأن الطبعات التي كانت لدي قديمة و بعضها مهترئ و لم تكن لي بالأصل ، فأخترت طبعات جديدة أصدرتها دار الشروق و رسم أغلفتها الفنان حلمي التوني .

20may2016b

نهضت إلى الرف الذي يضم تلك الأعمال و وجدت الرواية المكونة من ١٤٨ صفحة من القطع المتوسط ، زُين غلافها برسمة جانبية ذكرتني بالملكة فريده ، أما الغلاف الخلفي فكان صورة كبيرة للكاتب الراحل الذي كُتب أسمه بخط مذهب على الغلاف الأول و بشكل كبير.

20may2016c

عدت إلى ( الأنترنت ) مرة اخرى و بحثت عن تفاصيل أكثر حول العمل و عن شئ يؤكد لي أنه العمل الكائن بين يديّ ، فوجدت أن العمل هو العمل ، بل و وجدت ما أحببت فقد كُتبت أسماء الشخصيات بجوار صور الممثلين كطريقة ترويجية للعمل ، عندها أمسكت بالقلم و بدأت أكتب في الغلاف الداخلي أسم كل ممثل و الشخصية التي يؤديها ، لكوني قررت أن أقرأها اليوم و أنهيها في هذا النهار .

20may2016d

الخطوة الثانية

كان الوقت فجراً حين حدث كل هذا ، بعد الصلاة و مع شروق الشمس مضيت إلى أحد الفنادق  القديمة التي أحبها ، و ذلك لهدوئه و لطف العاملين به ، و لشعوري بعراقة ما في بنائه الذي أشعر بأنه يعكس طبيعة المدينة التي أقطنها و يأخذ من ألوان صحرائها و حجرها لوناً له .

20may2016e

بدأت القراءة قبل وصول قهوة الصباح إلى طاولتي ، كانت الرواية تقع في أربعة أقسام ، و أحببت التكنيك الذي كُتبت به ، و ذكرني بقصة الفيل الذي يحاول مجموعة من العميان وصفه ، فكل شخص و عبر حاسته يحكي عن ما تقع عليه يداه ، فإن كان عند الوجه استرسل في التحدث بدهشة عن أنف الفيل الطويل ، و إن كان عند المؤخرة تحدث عن رائحة مزعجة و ذيل قصير ، و إن كان مقارباً له تحدث عن جلد خشن و ملمس مسطح لا ملامح له ، و الكل صادق هنا و يقول الحقيقة كما يراها و يشعر بها لا كما هي ، فالحقيقة هنا سر الرواية التي بنيت الأحداث عليها .

20may2016f

من هم الرواة ؟

قبل الرواة – و دون التطرق إلى تفاصيل القصة – لا بد أن نتحدث عن الرواية المسرحية التي كُتبت داخل الرواية ، و تحت عنوان “أفراح القبة” ، استمدت بعض أحداثها و تفاصيلها من بعض الممثلين الذين سيمثلون بها ، هذا الأمر أربكهم و أزعجهم ، عدا مدير المسرح الذي لا يجد غضاضة في عرض رواية مربحة على مسرحه حتى و إن كانت تتعرض لبعض سقطاته و نزواته ، مؤكداً أن الجمهور سيراها رواية فحسب و إن حدث و علم شيئاً فهي لن تعيب أي شخص سوى المؤلف ، الذي غاب عن جلسات التحضير و  عن المشهد تماما بعد أن سلمّ نص مسرحيته للمنتج و رحل .

20may2016g

هنا نسمع القصة كما حدثت و بأربعة وجوه ، كل وجه ينطلق عبر عدد معين من الصفحات في مونولوج داخلي ، يستعيد به الأحداث و يقرأها وفقاً لقدراته و يفسرها وفقاً لطبيعته و احساسه .
الوجه الأول  ” طارق رمضان ” ممثل مسرحي لأدوار ثانوية ، في هذه المسرحية الجديدة سيلعب دور بطولة أكبر و لكن الأمر يزعجه لكونه يعريه و يكشف له تفاصيل كثيرة كان يشك بوجودها.
يأخذنا معه لتفاصيل بدء معرفته الشخصية بالمؤلف و ذويه ، لتتوالى أحداث القصة التي يرويها ، فنبحر داخل تفكيره و رؤيته للأمور و للأشخاص وفق تكوينه.

20may2016du

الوجه الثاني ” كرم يونس ” الذي كان يعمل بالفرقة لوقت ثم تبدلت الأحوال ، هو هنا والد المؤلف الذي كتب المسرحية ، و يحكي المواقف كما عاشها و شعر بها و رآها ، بحيادية قاتلة قد تخلو من الشعور أحيانا ، نستطيع أن نقرأ إحساسه بنفسه و بالأحداث عبر كلماته و نظرته الخاصة للظروف و للحياة و لأقرب الناس إليه.
الوجه الثالث ” حليمة الكبش ” و هي والدة المؤلف التي شهدت طفولته ، و عاشت أيامها معه و مع زوجها و مع كل شخصيات المسرحية التي كُتبت في واقع تذكره تماما و لا تنساه ، تسرد أدق ما حدث به و بعض ما حدث لها فنرى الأشياء من زاوية اخرى و جديدة .
الوجه الرابع ” عباس كرم يونس ” و هو المؤلف ، الذي يتعرى في الفصل الأخير و يميط الستار عن كل شئ مكملاً ما بدأته والدته و الشخصيات التي سبقتها ، فنحن هنا أمام رواية عميقة لكونها تبحر بداخل الشخصيات و للدقة النفسيات ، فنقرأ الظنون و الشكوك و الأحساس و  كافة التفاصيل التي قد أجد في عملية ترجمتها و تحويلها إلى عمل تلفزيوني تحدي كبير و أمر ليس بالهين .

20may2016h

اسماء لم يكن لها وجود

أنتهيت من الكتاب ، انتهت رحلتي مع الشخصيات الأربعة الاساسية للقصة ، في عصر ذلك اليوم و في نفس المكان ، الذي تنقلت بين مطاعمه و مقاهيه و ردهاته ، حاملاً ورق تنام فوقه شخصيات أُجهدت و دُمرت روحياً، سواء من قبل نفسها أو من قبل الآخرين .
لم تكن ” تحية ” شخصية أساسية  بالعمل ، و لم يكن لها أخوات في النص المكتوب ، فلا يوجد “عليه عبده” و لا “سنية عبده” و لا “فتنة” و لا “علي شبندي” !!
هذا الأمر دفعني للتفكير و أتى بكثير من الأسئلة ، هل استخدم كاتب السيناريو هذه الشخصيات كأداة لمساعدته في نقل ما يدور في نفسيات الأبطال الآخرين ؟ .. أم هي شخصيات مضافة لكي يتمكن من إطالة عدد الحلقات فتتناسب مع أيام الشهر الفضيل !؟
هل نستطيع بهذا الفعل أن نقر بأن ما سوف نشاهده هو عمل كتبه نجيب محفوظ حقاً ؟ .. أم أنه عمل استوحى الكثير مما كتبه و أضاف له شخصيات و روايات جديدة لم توجد به ؟

20may2016i

في النهاية

هو كتاب استمتعت بقراءته بدأته مع قهوة الصباح ، و شدني مع وجبة الإفطار ، ثم أحببته مع القهوة التركية ظهراً ، و سرقني على مائدة الغداء ، ثم تأثرت كثيراً مع فاصل الأجبان و الشاي ، ثم أنهيته و لم ينتهي إحساسي به و تفاعلي مع شخصياته التي شعرت بأن الأديب الراحل قام بتعريتها نفسياً و بشكل مبسط و مخيف .
كما اتصور أن دور ” حليمة الكبش ” – إن كتب بشكل جيد كما الرواية – سيكون دوراً مؤثراً و علامة فارقة في تاريخ صابرين الفني ، كما أن دور المؤلف مؤثر و شعرت بأنه يقترب من أدور الفنان محي اسماعيل في بدايته ، كما أن دور جمال سليمان كمدير فرقة يُعد جديداً عليه ، و أيضا أشعر بأن اداء صبري فواز سينقل شخصية كرم يونس من الورق الى الواقع بشكل مبهر !

20may2016j

عبارات استوقفتني و قد لا تكون الأجمل :

” ها هي جريمة تخلق مؤلفاً و ممثلاً في آن … ” .
” أرجع الموت ذكريات الحب و الهزيمة .. ”
” و تساءلت في غرابة كيف أحببتها ذات يوم !؟ ”
” اليست الوحدة خيراً من عشير النكد ؟ ”
” في أي مستقر من الكون تحنطت ؟ ” .
” من يدري ؟.. ربما تصادفه السعادة التي لا ندري أين تقيم ” .
” السعادة في هذه الايام من نصيب البغال ” .
” آه لو أن الرجوع في الزمان ممكن مثل الرجوع في المكان ” .
” في كائني البدائي ركن ساذج يطيب له أحياناً أن يبكي الأطلال ” .
” الخيبة تجئ مع الأفيون . لا …. إنها أقدم من الأفيون ” .
” ماذا أرجو من دنيا لا يُعبد فيها الله ؟! ” .
” غمرتني ذكريات المكان … مثل قطرات مطر صافية أصابت مزبلة ” .
” البيت القديم و الوحدة هما رفيقا عمري الأول ” .
” كن ملاكاً .. ”
” سرعان ما أحببت المدرسة لدى الحاقي بها ، انتشلتني من الوحدة و جادت علي بالرفاق ” .
” إني أدمن الحلم كما يدمن أبي الأفيون ” .
” إذا جاء الطوفان فلن يستحق السفينة إلا أمي و أنا ” .
” حياة لا أشارك فيها إلا بالحماس و الخيال ” .
”  تساءلت و أنا من الحيرة في عناء ترى أأرتفع أنا أم أهوى إلى الحضيض ؟! ” .
” هل يتكشف الحب ايضا عن مأساة ؟ .. ” .
” الفشل في الفن موت للحياة نفسها ” .
” إنها حكاية و لكن لا يوجد مسرح ! ” .
” و لكني أود أن أقول إن من الناس من يجدون أنفسهم في محنة فيتصرفون كالغريق الذي لا يتورع عن فعل في سبيل النجاة .. ” .
” أي شيطان يكمن في القلب الذي نذر نفسه للخير ؟ ” .

~ بواسطة يزيد في ماي 20, 2016.

4 تعليقات to “قراءة أفراح القبة”

  1. عرض مميز به تظهر الرواية كوجبة شهية ، أحببت الصور و أجواء القراءة والعبارات التي استوقفتك مختلفة ومؤثرة شكراً لهذا الموضوع الذي يثير رغبة ما بالتواجد في مكان هادئ مع الكتاب ولا شيء آخر .

  2. التدوينة وسياقها القصصي لذيذ ويشاغب الروتين الذي أشعر به عادة وأنا أقرأ تدوينة عن كتاب، رهيبة هذه الطريقة يا يزيد في عرض الكتاب. يعجبني نجيبمحفوظ في شعرية لغته وبساطة تعابير وطعمها الذي فيه طعم البشر الطبيعين العاديين الذين نراهم من حولنا لكنه يوثقهم بطريقة ممتعة وترسخ بالذهن، شكرا يزيد استمتعت بكل ذلك.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.