لكن فنجان قصة…
هذا الفنجان المنتمي في خطوطه لفترة السبعينات الميلادية، اشتريته لنفسي من “زارا هوم” في مجمع النخيل ، ذلك اليوم امضيناه طويل جدا، كان يتوافق مع يوم ميلاد اختى الكبرى، دعانا زوجها و ابنائها الى هناك كحفل مفاجئ لها، مضينا امي و انا و صديقة من مصر ستعود لبلادها في الغد.
قررت والدتي ان نذهب مبكراً بعد صلاة الظهر كي نتريض قليلا و نتحرك طالما اننا سوف نأكل و نكسر النظام، حين دخلنا انطلق كل منا الى اتجاه، تم تبديل المكان الذي سنأكل به اكثر من مره ، تارة في مقهى شهير بالدور الارضي، و تارة محل مختلف في الطابق الاعلى، و اذن لصلاة العصر ، و تم الجلوس بعد الصلاة في مكان ثالث حاولنا ان نحجز به سابقا لكنه كان مزدحم و وجدنا بغتة -رغم عددنا الكبير نسبياً-مكان به !
انتهى الحفل قبل المغرب بساعة، مضت اختي باسرتها الصغيرة، و جلست والدتي تتبضع و تشتري ، و جائت اختى الصغرى من بيتها لتشرب القهوة العربية معنا بعد صلاة العشاء، بعبارة اقصر امضينا ساعات طويلة في مكان محدود و شعرت انني في سفر ، و السفر لم يكن درب الصديقة وحدها الى موطنها، بل نحن ايضا سوف نحزم حقائبنا و نسافر بعد رحيلها بايام .
حين وجدت هذا الفنجان شعرت برغبة في ان اجد آخر، لكنها كانت الحبة الاخيرة ، اشتريته ليكون ذكرى لهذه الفترة الغريبة من حياتي و ذاك اليوم، ففي هذه الفترة ابواب جديده فتحت لي و جمعتني ببشر لم يفقدون انسانيتهم، و في الوقت ذاته هناك ابواب اغلقت و اماكن تذكرني بنفوس سهل أن تجرح الاخرين و تغضب ان جُرحت بدون قصد، بل و تُسرع في اخذ موقف حاد لا يقترب من ادني حدود الانسانية في شئ ، رغبتي بالتدوين في تلك الفترة قلت و القراءة بات بها فتور و مع هذا حاولت ان اشتري كتب جديده و خفيفه لاخذها في سفري، ثم تذكرت بان صديقتي من مصر قد اتت بكتب كنت ارغب بقراتها فتجنبت المزيد من الزحام ، كنت و ما زلت اعيش “فترة” ابدأ بها الاشياء و لا اكملها، ارتب غرفتي و مكتبتي وفق ترتيب معين، ازيل الاشياء من الرفوف لجردها و تصنيفها و في المنتصف ابحث عن “الهمة” فأجدها فترت، و حرارة التفاعل بردت، و اجلس ارقب الجدار لبعض الوقت متسائلا عن جدوى اي شئ !
كانت الرحلة القادمة ستحملني الى ذكريات مضت ، لفترة بداية الحرب في الجنوب ، و افتراقي عن صديق عابر، و ضيقي من ذاتي التي تخذلني دائما عبر انطلاقها الغير محسوب احيانا، و ضعفها عن اخذ قرارات مصيريه في احيان كثيرة، تخيلت ان المكان سيضيق بي مع هذا الضعف و تلك الذكريات التي تشوش اكثر من كونها تضيف.
تحدثت في مقهى قريب من بوابة الخروج مع هذه الصديقة حول الفراق و تبعياته، مدى شراسة بعض الذكريات و التصاقها كلما حاولنا نسيانها، تحدثنا عن البشر، عن فعل الخير و جزاء ذلك في بعض الاحيان، تكلمنا عن انواع القهوة، و كثرة التأثر بالمناخات “التركية” و انزعاجي انا و هي من هذا “المد الثقافي” الغير مبرر، فلا اللغة مشتركة أو مفهومة، هي الدبلجة و السياحة، و البداية مع نور و مهند في مسلسل تبعته مسلسلات كثير.
تكلمنا في السياسة بطريقة “ربات البيوت” و “الناس الغلابة” ، تكلمنا عن الحياة بروح شباب ساخر و عواجيز اختبروا الكثير، جعلتني ارى فيديو بعنوان “والله لنساكي” لشاعر يؤجر مساحة من البث التلفزيوني ليعرض فيديوهات تشبه “الفيديو كليب” يلقي بها اشعاره، و يمارس دور الرومانسي و المقاتل و المحب و الغاضب و عارض الازياء و الرياضي و انطلقنا معاً بضحك هستيري و كأننا كنا في حاجة الى تلك الحالة من الضحك الغير مبرر و كأن الجسم يدافع عن ذاته و يرغب في تجاوز خيبات المناخ العام و همومه الشخصية .
هي كانت ستستقل طيارتها باتجاه التزامات عديدة تركتها و حياة روتينيه تحاول ان تكسرها و تعيش في فلكها، و انا مضيت مع عائلتي عبر البر لطريق سفر قريب بعيد ، قريب من حيث الزمن و المسافة و بعيد من حيث الاحساس و التذكر ، هناك استعدت لحظات لم احبها و تجاوزتها و لكن شعوري بها عاد بمجرد عبوري للغرفه ، شاهدت البحر الممتد امامي ، لم يزل كما هو غارق في زرقته متدثر بالسماء و يملؤه السكون ، فلا موج راكض في هذا الخليج و لا لحظة جنون.
مضيت للكتب و الكتابة ، و محاولة ارجاع ما تم هدره من وقت و زمن ، بدأت ارفع من جديد في موقع آخر فيديوهات ازالها “اليوتيوب” بعد ان اغلق حسابي به – حدث هذا في نهاية يوم ميلاد اختي و استغربت ردة فعلي يومها .. ابتسمت (!)- ملغياً بعض ذكرياتي التي احب و اوثق و ادون لاكثر من تسعة اعوام ، مزيلاً اسماء “قنوات” كنت اتابعها لم احفظ كيف تكتب او ما هي تحديداً، مسح “ملفات”جمعت بها فيديوهات اعجبتني و استمتعت بمشاهدتها كثيرا ، اغاني و طهي و افلام قصيرة و تصنيفات عديدة كنت قد نسقتها اكثر من مرة و بطرق مختلفة لاصل لها بسهولة ، في تلك اللحظة ادركت ان بعض”التعب” قد يفضي الى “لاشئ” و كانت الاشياء تبدو “هشة” و شعرت بأن لا شئ حقيقي تماما و ثابت !
في “البحرين” و بالتحديد مجمع “ستي سنتر” وجدت نفس الفنجان في المحل ذاته و لم اشتريه، شعرت بأن هناك اشياء يجب ان تبقى كما هي و وفق السياق الذي كانت به ، و اسقطت هذه القاعدة على بعض ما حدث و كان ، و في لحظة ملأني شعور غير مفهوم بالرضا و الامتنان لله، فلم تزل الاشياء الجميلة موجوده رغم بشاعة المناخ العام ، و لم تزل الناس قادرة او تحاول الفرح ، رغم الحزن البادي في عيونهم و اليأس الذي تعطر به الهواء، في هذه الرحلة زرت مطاعم جديده و اماكن مختلفة و اقتربت من اقارب لي من جديد كانوا يشاركوننا الرحيل و كانوا جيران لنا في السكن ، هي الاشياء ذاتها لكن بنظرة جديده و زواية مختلفه ، فالعودة الى نفس الاماكن امر لا يعنى بالضرورة تكرار ما حدث حتى و ان عبر ذاكرتنا و ازعجنا في الاعماق شعور عابر .
صباح اليوم طلبت فنجان من القهوة التركية و جاء مسكوباً في هذا الفنجان ، فتذكرت بعض ما حدث و بعض ما كان ، و لاحظت ان اغلب الاكواب لدي لها قصة لم تحكي لكني اعرفها بل و قد اذكر ادق تفاصيلها و رائحة المكان ، هي الاشياء تستمر و تمضي في نفس اللحظة ، في اكثر من صورة و اكثر من مكان .
كان يوم من احلي الايام، وجماله انه كان غير متوقع اطلاقا
سبحان الله …. عدم التوقع يعطي للاشياء جمال غير مترقع
Hala said this on ماي 22, 2017 في 1:29 ص |
🌸
يزيد said this on ماي 22, 2017 في 12:26 م |
انا شو استفيد
حصه said this on مارس 16, 2018 في 6:42 م |