My favorite cake

انعكاسات

الشعور العميق بالوحدة، الحنين لزمن مفقود، الرغبة في روتين آخر، افتقاد الاحياء قبل الموتى، و ربما افتقاد الذات التي كانت و باتت اخرى في عالم لا يشبهنا، مقاومة الموت اليومي و دفعه عن ارواحنا قبل قدوم موتنا الاخير، الذي لا نعرف متى سيكون و اين، كل هذه خيوط مُزجت بعناية، لتحيك لنا احداث هذا الفيلم الذي يخالف ببساطته السائد، و التجاري، و الساعي الى الربح على حساب الفن، و الانسان، و قضاياه اليوميه العادية التي يعيشها وحده و قد لا يشعر به احد.

في مرحلة الشيخوخة ، و النسيان المتزايد من قبل الآخرين، و محاولات التحدي المستمر، و الصمود الهادئ، لمعايشة كل يوم جديد يمر بنا، يحيطنا بالفراغ ، و ضعف القدرة، و تسرب الصحة من اجسادنا التي شاخت و ارواحنا التي ما زالت تحلم، و تفتقد، و تشتاق، و تتوق للحظات نشعر بها و تدب فينا الحياة.
هنا قصة ارملة تنتمي لهذه المرحلة، تجاوزت السبعين من عمرها، ترغب في كسر الدائرة التي تدور في فلكها و تحيطها و تكاد تخنقها و تسرق المتبقي من عمرها منذ اكثر من ربع قرن، و في ليلة ما لم تخطط لها تقرر فعل ذلك و يتغير كل شئ !

قد نتصرف بتلقائية حذرة، نعود الى الطفل الذي فقدناه و نجعله يقودنا، يأخذنا بشعرنا الابيض، و خطواتنا المرتبكة الثقيلة، لدنيا لا تشبه الدنيا التي كنا نعرف، و لا العالم الذي عشناه و ضعنا فيه و اضعناه، نتحرك وفق سجيتنا فلا نحسب حسابات معقده كالسابق، و لا نفكر طويلا بالمناخ الذي يحيطنا، أو حتى طبيعة المجتمع الذي نحيا به و امضينا العمر نرضيه ، لا نفكر بالسلطة التي قد تفرض قوانين على الافراد و تجبرهم عليها، نمضي الى حيث تأخذنا اقدامنا فحسب، و كأننا نغامر بكل شئ لأجل لحظة حقيقيه نشعر بها اننا على قيد الحياة.

في هذا الفيلم احببت تفاصيل كثيرة، منزل السيدة و رواقه الذي فرش ببلاط قديم، الاشجار و اصيصات الزرع التي تحيطه من كل جانب، بيت يشبه بيوت اعرفها قديما وعبرتها في طفولتي، الطعام، الشاي و الاواني، و ايضا التصميم العمراني الذي يرمز لازمنة معينه في بهو الفندق و مدخله .
اما اداء الممثل الرئيسي للعمل و بطلة الفيلم فقد كان اكثر من رائع كونه بسيط و عميق و حقيقي، التصوير في بعض اللقطات كان اكثر من جميل ، و بعض جمل الحوارالبسيطة كانت مضحكة و حزينه في ذات الوقت و كأنها الحياة، بعض مشاهده دفعتني للتأثر و للتفكير، كما ان السرد في الاحداث لا يخلو من رقة و شاعريه قد تبدو عاديه و لكنها استثنائية لفرط تلقائيتها.

عن الفيلم

عرض لاول مره في مهرجان برلين و بالتحديد شهر فبراير ٢٠٢٤ ميلادية، تم تصوير كامل العمل في ايران و بصورة سرية ، وايضا تمت مشاهدته بصورة سرية عبر القرصنة و التسريب على الانترنت كونه تحدى القوانين التي تمنع ظهور شعر النساء على الشاشة، و منع من العرض، و قد خاض المخرج و كافة الفريق مخاطر عديدة لانجاز مشاهده، و هم الآن يواجهون عواقب ما فعلوا، فقد منع البعض من السفر و باتوا تحت رقابة مشددة و قد صدر حكم بسجن المخرج مع ايقاف التنفيذ، و في بيان لهم عن العمل قالوا :

” كعكتي المفضلة فيلمٌ صُنع في مدح الحياة. إنها قصةٌ مستوحاة من واقع الحياة اليومية لنساء الطبقة المتوسطة في إيران، نظرةٌ فاحصة على عزلة المرأة وهي تدخل سنواتها الذهبية. رؤيةٌ لواقع حياة النساء التي لم تُروَ كثيرًا. إنها قصةٌ تتعارض مع الصورة الشائعة للمرأة الإيرانية، وتشبه قصص حياة العديد من الأشخاص الوحيدين على هذا الكوكب، حول الاستمتاع بلحظات الحياة القصيرة والحلوة…”

و اضافوا : “لقد أصبحنا نعتقد أنه لم يعد من الممكن سرد قصة امرأة إيرانية مع الالتزام بقوانين صارمة مثل الحجاب الإلزامي. نساءٌ تمنعهن الخطوط الحمراء من تصوير حياتهن الحقيقية، كإنسانات كاملات. هذه المرة، قررنا تجاوز جميع الخطوط الحمراء المقيدة، وقبول عواقب اختيارنا رسم صورة حقيقية للمرأة الإيرانية – صورٌ مُنعت في السينما الإيرانية منذ الثورة الإسلامية…”

على الهامش :

هي : ألا تخشى الموت ؟
هو : لا ، و لكنني اخشى الموت وحيداَ.

~ بواسطة يزيد في جويلية 2, 2025.

5 تعليقات to “My favorite cake”

  1. .. ودخلت السينما الإيرانية يا يزيد

    مع انى شاهدت هذا الفيلم قبل شهرين الا مفعول سطورك معي كشبه حكة لطيفه تحت الجلد تجبرني على اعادة مشاهدته

    .. وبما أنك أحد القافزين من كروز السينما الأوربية (ت) فأدعوك لمشاهدة:

    Drown 2020

    The Badger 2020

    الأثنين .. دراما / صادمه / نهاية غير متوقعه

    Gangubai Kathiawadi 2022: هندي / بصري / مختلف عن المفهوم الخام للسينما الهنديه

    • طالما كانت سطورك هي البادئة في التفاعل و الاضافة دائما .
      بالنسبة للسينما العالمية بشكل عام فهي كانت ملاذ منذ التسعينات و ربما آخر الثمانينات سواء الايرانيه او الشرق اوسطيه بشكل عام و شرق اسيا مرورا باوربا و كافة الافلام المستقلة في الطريق .
      ساشاهد باذن الله ما اقترحت لي و اتمنى ان يكون التوفر سهلا و يسير كوني بشكل عام ومنذ انتهاء عصر الفيديو لدى البعض اصبحت الافلام شبيهة بالصدف التي نقع عليها دونما تخطيط و هذا ما حدث مع الفيلم الذي كتبت عنه السطور اعلاه.
      سعيد بمرورك و باضافتك .. شكرا لك.

  2. […] Source link […]

  3. هتصدقني لو قلتلك اني اريد ان اموت وحيداً، ربما كنت اتمنى المشاركة في الحياة.

اترك رداً على My favourite cake | يزيد . نت - Arabianwoman.com إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.