رسالة إلى عمر خورشيد

29may2013

  البارحة أمضيت وقتاً ليس بالقصير معك ..استمعت الى الموسيقى التي وضعت لبعض الأفلام .. و أستمتعت بألحان عالمية شهيرة و كأني أستمع لها لأول مرة !
لك مقدرة على الخلق .. و صناعة البهجة في النفس و نقلها من حال الى حال  برنة وتر .. حباك الله موهبة .. و عمراً قصيراً .. تفجّرت به .. و أبدعت .. و كنتَ حالة خاصة .. لم تشبه الآخرين .. و لم ينجحوا في أن يشبهوك .. كنت نجما .. أضاء و توهّج .. و مع الموت يأتي الفلول .. و أحيانا لا يأتي !!
فبعض ما بنا يخلدنا … موهبتنا .. انجازاتنا .. الأعمال التي نتركها ..نخلفها و نمضي .. لنعيش عبرها و بداخلها .. لسنوات عديدة بعد رحيلنا .
في عيني أنت أيقونة من أيقونات مرحلة السبعينات الميلادية بكل ما فيها  من موسيقى حالمة .. غارقة في الحنين .. أو راقصة .. مرحة .. تسابق السنين .
أنغامك كانت تضيف .. و تزّين الجمل الحوارية في الأفلام السينمائية .. تمنح المتلقي بعداً .. و تساعد الممثلين على إيصال الحالة التي يعيشون لنا .
أخذتني معك لساعات طويلة .. بها أصغيت إليك و قرأت المزيد عنك  .. بحثت في فضاء النت الرحب و متاجره المشرّعة بلا أبواب عن ما ينقصني من أعمالك لأضيفها الى مكتبتي التي تصورت أنها تحمل كل ما أنتجت !
أقتنيت المزيد من إسطواناتك القديمة التي تعمل بالإبرة .. لأعيش ذلك الزمن بشكل تام .
استرعى انتباهي بعض الأسعار المرتفعة التي تباع بها تلك الإسطوانات مقارنة بغيرها  .. و لم أشعر لوهلة بأن أعمالك لا تستحق ذلك .. لكن ما أدهشني أن يمتلكها البعض و يفرّط بها !
كما وجدت أثناء بحثي إصداراً  جديداً  لك ..!
إنه أحد تلك الإسطوانات القديمة المكونة من اسطوانتين بأربعة أوجه .. طبعت كـ C‪.‬D في أحد المتاجر الأجنبية و بنفس الطريقة ..  إسطوانتين منفصلتين في علبة واحدة و زُينّت بصورة الغلاف ذاتها ..  فقط تم تنقية الصوت و تحديثه لذا اشتريتها فوراً و دون أدنى تردد .
لم تزل عملة رائجة .. حصان رابحا .. مطلوبا .. مرغوبا .. و مُفتقداً رغم وجود ألحانك و موسيقاك … المكان الذي خلقته لذاتك … لم يزل شاغرا .. و لا أتصوّر أن يأخذه أحد .. لأنك – كما قلت لك – حالة خاصة …. أنت لم تستخدم آلة الجيتار فحسب .. بل أحببتها … صادقتها .. كنت مخلصا لها فأخلصت لك ..  و لا أدري لم أتخيل أن جيتارك إلى اليوم قد يبكيك .. !
عاش لثلاثة عقود بعد رحيلك  يفتقد أحضانك .. وهل عاش حقا !!؟
هل ترى في صمته حياة  .. و في سكون أوتاره نبضاً … !؟
في مثل هذا اليوم .. فارقته بلا وداع .. و دون لمسة أخيرة …كنتَ قد عبرتَ في شهر إبريل بوابة عامك الخامس و الثلاثين .. ماضيا لبوابة عامك السادس و الثلاثين .. و لم تسر في دروب الزمن إلا خمسين يوما ثم اختفيت فجأة .. كما تُقطع الكهرباء بغتة .. و تُطفئ شفاه الريح شمعة ..  مضيت .. لكن بقيت بداخلي .. دون أن أختار .. أو أعلم .. أو تدري !
و ياليتك تعلم كيف تسللت أنغامك لي للمرة الأولى .. و كيف أثرت بي دون أن أعرف اسمك .. !
لستُ أدري كيف حدث هذا .. لكنه حدث .. و بشكل يفهمه الشعور و يدركه الأحساس .. ويعجز العقل في ترجمته .. و تتعب اللغة وهي تحاول أن تعبّر عنه بكافة حروفها .
كان شيئا يشبه الإقتحام  .. لكن بلا معركة .. أو هجوم … و لم يكن عنوة .
ذات طفولة .. وفي صباح ضبابي بمدينة لندن البريطانية .. في ساعة مبكرة و غرفة منسية ..  بالقرب من زجاج النافذة البارد .. و أمام زجاج الشاشة جلستُ  بعيون ترقب كل ما تراه على الفيديو .
كان الشريط يضم حلقات مختارة من الفوازير التي قدمتها نيللي .. و كنت أحب مشاهدة تلك الاستعراضات لما بها من مرح يدخل السرور إلى نفسي .. الى أن أتت مقدمة فوازير عام ١٩٧٨ .. ” أنا و أنت فزورة ” !
رغم المرح البادي بها كانت مؤثرة .. و بها شئ مختلف عن البقية .. شئ ينعكس على روحي الطفلة .. و يمنحها مشاعراً متفاوتة في لحظات معدودة .. شئ دفين ينبع من الموسيقى و قدرتها على ترجمة الكلمات و بشكل يتفاوت و يختلف عن المقدمات الأخرى .. بإحساس قادر على أن يثير شجنا ما … حزنا … حنينا … صدقا لا أعلم .. !
لكنه كان شيئا لا يُنسى .. دفع قلبي الصغير إلى الانقباض و التعلق بما كان يسمعه و يتأثر به .. و للتحديد مقطع كانت تتحدث فيه نيللي أكثر من كونها تغني .. يتداخل معها في الأداء صوت رجلين .. أحدهما يتكلم و الآخر يقوم بدور الصدى .. كان ذلك صدقا يؤثر بي .. لا سيما و أن كلمات ذلك الجزء القصير كانت صادقة و معبّرة ..  بها من الواقع و حياة كل إنسان الشئ الكثير .. جُملة بسيطة و ربما غير صحيحة لغويا .. لكنها قادرة على أن تلامس الروح و تصل إليها بسهولة .. عبارة تقول :
” ح أقابل مخلوقات .. من كل الألوانات .. سبحانك .. ياللي خالق .. الناس بكل الصفات ” !
من المؤكد أن تلحينك لهذه المقدمة و الطريقة الفنية التي قدمت بها أمور تكاملت لإحداث ذلك الأثر .
والذي لا يختلف عن أثر آخر خلّفته تلك الموسيقى المصاحبة في فيلم ( أين عقلي ) .. خلال  ذلك الحوار المؤثر بين سعاد حسني و زوجها محمود يس حول الإنسان  .. و الأماني .. و السعادة .. و القلق .. و الخوف .. و الفقدان .. و الموت !
حين كبرت أدركت أن كلاهما كان عزفك و ألحانك .. ذلك الهدوء العابث .. و الوتر الناعم  كشيفرة موس .. بحد نغمته يدفعنا للنزيف صمتا و إعجابا .
تبدو لي و كأنك كنت قادرا على الخفة إن أستدعى الأمر ذلك .. و قادرا على التوغل في عمق الجرح ان إحتجت إلى ذلك !
لتنسج  نغما يلمسنا .. يُعبّر عنا .. نرى في تدفقه بوحنا .. و ما نخفيه بصمتنا .. ترويه انت لنا و دون أن تحكي !
ختاما لن أطيل عليك أكثر من ذلك … فقط أحببت أن أخبرك بأني لم أزل أتذكرك و إن كنت لا تعرفني .. و أعرفك .. رغم أني لم أشاهدك رؤيا العين يوما ما في حياتي  .. و أسألك .. كيف استطعت أن تُسكن لحظات كثيرة من حياتي داخل نغماتك .. فأسترجع الماضي  مع أول نغمة منسابة .. و أغرق في طوفان الذكرى دون أن أموت .. و دون أن تموت  حقا !

على الهامش :

مثل اليوم رحلت .. و أحببت أن أهديك عبر هذا الفيديو البسيط بعض من ماضيك .. عزفك .. صوتك .. و بعض ذاتك التي رحلت في مثل هذا اليوم !

~ بواسطة يزيد في ماي 29, 2013.

6 تعليقات to “رسالة إلى عمر خورشيد”

  1. يزيد
    لما اذا اقشعر بدني و انا اقرأ كلماتك عن عمر خورشيد !!
    لانني توقعت ان صاحب هذه الكلمات هو انا ، فلم اتوقع ان هناك انسان من جيلي سيكتب عن هذا المبدع في يوم من الايام، فحياته القصيرة حالت دون معرفه الناس به سوى من عاش تلك الحقبة .
    أجهز الايبود الان لاضع بعض المقطوعات بالمفضله .
    الجميل انه ما زال في ذاكرتي صورة -تخيليه -ليوم زواجي الذي ارغب بترتيبه ليمتلئ بالمقطوعات الشرقيه من عمر خورشيد الى احمد فؤاد حسن ,,,,,,,,,,,,,, .
    دمت بكل خير

  2. سعود .. الإحساس الذي شعرت به يؤكد أن البشرية تلتقي مهما اختلفت القوالب في اشياء كثيرة اهمها الاحساس بالإشياء و التأثر بها .. سطورك تعني لي الكثير .. و اشكرك على كتابتها .

  3. الشكر لك يزيد
    امتعتني بكتاباتك الجميلة التي اتمنى ان تحفزني يوماً ما,على الاقل الكتابة في مدونتي اللتي مازالت قابعه في اروقة الانترنت تحمل اسمي فقط منذ سنوات !

  4. هل لي أن أزورها !؟

  5. يشرفني لكن للاسف ماهي الا كما قلت خالية حتى من وجودي

    http://saud77.blogspot.com/

  6. بس جد مبدئيا مرتبه .. و مختلفه 🙂 و ما ينفع تضايف أحد بس كرسي واحد !!

اترك رداً على يزيد إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.