في هويد الليل…غوايش
البداية أغنية
سمعتها بصوت علي الحجار لأول مرة في الثمانينات الميلادية، جذبني اللحن لكوني شعرت في ذلك العمر المبكر أنه يقدم اللون الصعيدي بأسلوب حديث، و كان من إبداع الموسيقار عمر خيرت، و لم اركز في الكلمات كثيراً في ذلك الوقت.
لم أملك العمل في مكتبتي الموسيقية و لم يشتريه أحد من عائلتنا، فهو ببساطة شريط “كاسيت” أتى به أقرب أصدقائي من رحلته الأخيرة مع أسرته إلى “القاهرة”، و كُتب عليه باللون الأزرق “غوايش”، لاحظت أن الاسم تردد في الأغنية و لكن لم اكترث، و فعليا نحن لم ننجذب إلى عمر خيرت إلا بعد “ليلة القبض على فاطمة” مع سيدة الشاشة فاتن حمامة، و “خللي بالك من عقلك” مع شيريهان و عادل امام، واللحن الراقص الفرح في مقدمة فيلم “قضية عم أحمد”، فقد كان سحر” البيانو” هو ما أضاف لبعض تلك الألحان الغارقة في المحلية نكهة “عالمية”.
عودة للحن و للتأمل
منذ عدة أسابيع وجدت لحن “غوايش” يتردد في ذهني دونما سبب، مضيت لفضاء الإنترنت الرحب الذي جعل الكثير من الأشياء البعيدة قريبة، و متواجده في لمح البصر و للدقة “ضغطة زر”.
وجدتها بأصوات جديدة، لكني عدت لصوت “علي الحجار” و بشوق كبير لتلك الأيام التي مضت في بيت أمضيت جزء من طفولتي فيه، و مضى جميع أهله بعيداً و بات لكل منهم بيت.
عُدت للأغنية … و “الكلمات” هذه المرة هي ما أثر بي (!).
شعرت انها تختصر مرحلة في حياة كل منا، تحكي عن ذلك “اللقاء القدري” الذي قد يحدث و نتخيله”صُدفة”.
لقاء يجمعنا في “وقت ما” مع بشر يشبهوننا أو يختلفون عنا، قادرين على مساعدتنا، دون طلب منا، أو معرفة و قصد منهم، معهم قد نتحمل “مرحلة زمنية معينة” أو “ظرف جديد نعيشه”، وجودهم يُضيف الكثير لنا في هذا الوقت ليمضي، أو لنصبح في الغد “انسان” مستعد للظروف الجديدة و الأحداث القادمة.
أرواح قد تحميك من “محيط” كان بإمكانك أن تضيع به، وجودها رحمة من الله، و نجاة لك و لهم من أشياء كثيرة كان ممكن أن تجرفكم و تُغير مسار حياتكم.
تلك الأرواح قد تكون”رزق الله لك”، أصدقاء طفولة قد تفترق عنهم، لكن كل ما كان بينكم أضاف لك، و شكل وجدانك، و نمى الكثير من اهتماماتكم المشتركة معاً، لتبقي كل هذه الأشياء مع كل منكما حتى و إن حدث هذا البعد المحتوم ذات يوم.
هذا الرزق أيضاً قد يكون “أسرته” التي عاملتك كأحد أفرادها لا كضيف قادم، و قد يكون” أساتذة” عابرون، لكن كتبوا في “سبورة” أعماقك الكثير الذي لا يُمحى، “زملاء” لم تحتك بهم كثيراً لكن اكتسبت منهم تفاصيل بقيت معك طويلاً، “أحبة”جعلوا واقعك أجمل، و تقبلك لذاتك أكبر، أمضيت سنوات معهم و لم تتصور أن تفارقهم ، قد يتلاشى التواصل بينكم، لكن يُدهشك نمو بذورهم التي زرعوا في عمق روحك، لتستشف وجودهم في حياتك رغم غيابهم ، تتخيل ردات فعلهم على أشياء تعيشها، و تستحضر آرائهم و أصواتهم رغم كل ما حدث و الصمت المطبق بينكم.
دوافع
الحنين لزمن مضى ، الرغبة في معرفة المزيد عن تفاصيل العمل الذي كُتبت لأجله الأغنية، الفضول لمعرفة شخصية “غوايش” التي تغنى بها “علي الحجار”، و سُمي عليها المسلسل، و أشياء أخرى عديدة دفعتني للتفكير بمشاهدته مع بعض التردد خوفا من أن يُفسد اعجابي بالأغنية التي ربما تجاوز إحساسي بها كلماتها !
سألت بعض من يحيطونني في محيطي الضيق عن العمل و لم يتذكره أحد، أرسلت لصديقه “مصرية” الأغنية و سألتها ان كانت تنصحني بمشاهدة العمل فقالت:” غوايش ده مسلسل للتاريخ”.
فكانت عباراتها … دافع آخر !!
البداية
في مساء آخر …
و بعد عدة أيام ، حين شعرت أن الهدوء الذي يحيط أجواء المنزل يشبه ليل “أيام الدراسة”، مضيت إلى الإنترنت بحثاً عنه و وجدته سريعاً، بدأت المشاهدة و تلقائياً لا أدري لِمَ تذكرت طفولتي و سهري لأجل متابعة “المسلسل اليومي” حتى و إن كان مملاً، كونه العذر المسموح للتأخر عن النوم !!
لا أعلم السبب الذي منحني هذا الشعور، هل هو السكون الذي يُحيطني، أم طبيعة العمل التي تشبه مسلسلات تلك الفترة، و تسائلت كم من عمري أهدرت في متابعة أعمال لم تكن تعجبني لكني فعلت لأجل “متعة” السهر !!.
عن المسلسل و فريق العمل
هو “حدوته” عميقة عُرضت بأسلوب بسيط، تماماً كقصص الأطفال التي كنا نقرأ و الأساطير الشعبية .
تدور بداية الأحداث في بيت “العمدة”، المتزوج من امرأة عاطفياً فُتنت “بأول فرحتها” ولدها البكري، و باتت تشعر بأن كل ما يطلبه أو يأمر به يجب أن يكون “قانون”، رغم أن لها ولد آخر رغب بالتعلم في العاصمة وعاد الى القرية بناء على رغبة أخيه، كان مختلفا تماما عنه و أسمه “حسنيين”، و لهما أخت تأخر نصيبها بسبب تعنت اخيها الأكبر، فهو يرى إنها ابنة عمدة و يجب أن ترتبط بشخص يُشابهها إلى أن مضى بها العمر دونما ارتباط، فالأغلبية ربما كانوا يخشون و يتحاشون الإقتراب بسبب هذا الأخ الكبير، الصعب و المعقد التفكير.
لا تقف الحدوته في بيت العمدة ، بل تتغير بحضور القادمين، ثلاثة أشخاص مكافحين، يدورون في القرى و المدن القريبة بحثا عن الرزق ، “البرنس” الذي لا تنعكس عليه أي مظاهر تحمل شيئا من أسمه، كل ما يمكله جسد قوي يحمل به الأثقال، و يتراهن مع رجال المدن من منهم سوف ينتصر عليه، يصاحبه عمه “عفيفي” ذلك الرجل المسن ، الذي ضاع عمره و هو يعرض للأطفال قصص الشجاعة و المغامرات ذات النهايات السعيدة في “صندوق الدنيا”، ترافقهم إبنته التي كانت تبيع بالقرب منه بعض العطور و المناديل و الحلي البسيطة و كان اسمها”غوايش”.
تبدأ الأحداث سريعة، لنرى عرس تحول إلى مأتم، و تعارف يتم بين غرباء و أهل قرية، و تنطلق بنا الأحداث إلى أن تصل للمدينة، و نمضي مع الشخصيات من مكان لآخر، من خلال عرض لملامحها و سماتها في مشاهد قليلة رسمت بشكل دقيق، و تساعد المتلقي لفهم ما يدور أمامه دونما ضعف بادي أو إسهاب.
مؤلف العمل هو محمد جلال عبدالقوي ، أسم قد لا يتذكره الأغلبية لكن يتذكرون بعض أعماله، مثل “نصف ربيع الآخر، الليل و آخره، المال و البنون”، من اخراج محمد شاكر الذي أيضاً قد ينسى الكثيرين أسمه لكن يتذكرون بعض أعماله، مثل أول مسلسل للمغنية ورده ” اوراق الورد” و المسلسل السعودي “اصابع الزمن”، غني مقدمة العمل و أغانيه علي الحجار، كتب الكلمات الراحل سيد حجاب، أما الألحان فكانت للموسيقار عمر خيرت.
أحببت اداء الجميع و خاصة نبيل الحلفاوي و زوزو نبيل ، و شعرت أنه دور مميز لفاروق الفيشاوي ، أيضاً نبيلة السيد أضافت روح خاصة للعمل بادائها السهل الممتنع ، شارك في البطولة أيضاً صفاء أبو السعود في دور “”غوايش” الذي كتب بعناية و جمال فجعل الشخصية أقرب لأميرة الحكايات أو سندريلا، بالإضافة إلى انعام سالوسه، عبدالبديع العربي ، إبراهيم عبدالرازق، إبراهيم الشامي، أحمد بدير و أحمد راتب، وداد حمدي، محمد توفيق، سلوى عثمان، محمد فريد و حسن حسني.
هو إختيار مناسب لمن يحب أعمال تلك الفترة ، و القصص التي تدور وفق هذا النمط، أضيف هنا الأغنية التي أحببت مع مشاهد من المسلسل قد قمت بإختيارها لإعداد هذا الفيديو.
جميل… الا اني افضل تتر النهاية .
فريد said this on جويلية 4, 2021 في 1:41 ص |
احترم ذائقتك
يزيد said this on جويلية 9, 2021 في 3:08 ص |