لم يكن مجرد اعلان

بالتاكيد ان ” اللمة الحلوة ” و ” العيلة ” و تفاصيل صغيرة تضيف اشياء كثيرة لشهر رمضان .. شهر الرحمة و الغفران و صلة الرحم و الاحسان .
و ربما بعض منا في خضم الزحام قد  يحب ان يختفي و ينسحب من هذا التجمع أو ذاك ..  متناسيا ان الوجوه التي تحيطه في هذا الشهر والمنشغلة طوال العام قد تختفي تماما .. لا بمرور الاعوام  بل بعبور الايام .. فالنهايات قد تأتي بغتة .. و ربما ذهبنا اليها طواعية دون معرفة منا … لنمضي كما مضى سوانا و كما يمضي بعيدا عنا اجمل ما برمضان !
رمضان الذي تحول من شهر عبادة و اجتماع اسرة و صفاء روح نرفه به عن ارواحنا بهذا المسلسل او ذاك .. الى كرنفال رمضان المسلسلاتي الذي به تتدفق الاشياء المختبئة طوال العام ليصبح المشاهد اسير امام هذه الشاشة الزجاجية ..  كائن انعزالي يعيش هذا الشهر مع اشباح يراها ولا تشعر به .. يمضيه مع قصص تفصله عن واقعه .. و لتصبح العبادة لدى البعض قصيرة كفاصل اعلاني او في احسن الحالات تاخذ المساحة التي كانت مخصصة للترفيه في رمضان زمان .. فينقر العبد صلاته كما الدجاجة ثم يتحرك في عشة البيت بين المطبخ و التلفزيون و التلفون و الانترنت .. متناسيا عبادات اخرى عديدة في هذا الشهر .. فالعبادة ليست الصلاة و الصيام فحسب ..بل افشاء السلام و اطعام الطعام و نشر الخير و كف الأذى .. و حفظ اللسان .. و ذكر الله .. و اعطاء الصدقات .. و لو ابتسامة او شق تمرة .. صلة الرحم .. الاحسان للجار .. الاقلاع عن الذنوب .. الاخلاص في العبادات و العمل .. الدعاء بين الاذان و الاقامة .. وقبل الافطار .. طلب المغفرة و العتق من النار .. الشعور بالضعفاء و المساكين و الاحسان اليهم .. و اشياء اخرى عديدة  .. بات رمضان يتجرد منها بمرور الاعوام و للدقه نحن من نجرده منها .. تماما كما حوله الاعلام الى مهرجان تلفازي من فرط كثرته يصاب المشاهد فيه في احسن الحالات بالتشتت او الغثيان !
بعضنا في هذا الشهر قد يغزل بصنارة الوصل بعض ما تم فكه منا خلال العام و توقفنا عن حياكته منشغلين باشياء عديده تكاد تسرقنا حتى من انفسنا .. و بعض آخر قد يختار العزلة ليحمي ذاته .. رغبة بمقاطعة تامة لكل ما هو معروض بل و قد يوقف تواصله بافراد اسرته المخدرين امام القنوات رغبة منه في الحفاظ على روح عالية وهدوء يحتاجه .. مسقطا اثناء سعيه للافضل التوازن و عبادات اخرى بها الشهر يصبح اكثر بهجة و اجمل .. و يبقى بعض اخر يحاول ان يعيد و يحيي في رمضانه كل ما كان يحبه في طفولته و يستعيده .. بدء من الاصناف التي كان يحب ان يتناولها .. حتى محاولة جمع شتات الاسرة و بعث بعض ما كان يحبه في الماضي داخل واقعه من جديد .
يعيش تحت مظلة الذكريات الحلوة التي يرغب في ان تعود .. ذكريات لا يحملها وحده بل ربما اغلب ابناء وطنه في تلك الايام التي كانت بها الخيارات قد تبدو اقل من الآن لكنها بالتاكيد كانت اكثر اصالة و عمقا و جاذبية .
و الغريب أن هذه الذاكرة قد تتجاوز الفرد و حدود الاقليم او الوطن لتصبح ذاكرة مشتركة تجمع شعوب ..  فلا تعود ملامح شهر هناك لا تلتقي في بعض التفاصيل مع ملامح شهر هنا ..  ختمة القرآن .. التمر .. القطايف .. الكنافة .. شاي بعد الافطار .. المدخن الذي يأتي الى السفرة متأخرا بعد اذان المغرب بقليل ..  عمو فؤاد ..  نيللي ..  شريهان .. رأفت الهجان ..  بوجي و طمطم .. الشيخ الشعراوي  .. على الطنطاوي ..  مرايا ..  الحلمية .. حبابه .. الشهد و الدموع .. بابا عبده ..  يا تلفزيون يا .. حروف .. و برامج و اشياء عديدة كانت تجمع الاسرة امامها و حولها هنا و هناك .
هذا الاعلان ملئ بالحنين .. بالعوده الى اعمق مافي رمضان .. الأسرة و الخير الذي يسكن اعماق الانسان ..  و يحتاج في حالات كثيرة الى ما يحركه و يخرجه كالجني الساكن في مصباح علاء الدين .. ليغير منه .. فيعيده الى فطرته ..  طبيعته .. يزيل الغبار عن اشياء جميلة بداخله ..  ليعرف ان له اراده .. و قدرة .. و تصميم .. روح متسامحة و قلب يحب و يشعر بالآخرين و يضيف لحياتهم الكثير .. عبر اشياء بسيطه  قد تبدأ من كلمة .. و الكلمة الطيبة صدقة  .
شكرا للصديقة التي اخبرتني عن هذا الاعلان .. الذي يحاكي رمضان زمان .. بعيدا عن الفانوس الصيني ابو بطارية  ..  و دوامة القنوات الفضائيه  .. و دبابة بعض البرامج و المسلسلات التي لا تناسب روح الشهر ..  اعلان به  قد تهرب و لو للحظات من السرعة و العجلة في زمن يركض و يسرق من ايامنا الكثير و بلا استئذان .. لتشعر انك قد قفزت سريعا من بداية الشهر الى السادس من رمضان !
لتجعل فانوسك الداخلي مضئ و متوهج في هذه العتمة التي تحاول ان تداهمنا و تطمس اجمل ما بنا و في تركيبتنا .. خصوصيتنا التي تاتي من ثقافاتنا المختلفة و انتمائنا الديني الواحد الذي بات بسبب تلك العتمة ملئ بالمفاهيم المغلوطة و الغلو أو التسيب و كل ما هو كفيل و قادر على سحبنا من اتزان نحتاجه و سماحة من المفترض ان نعيشها و ندعو لها .

على الهامش :
اثر هذا الاعلان على نفسي يتشابه مع الاثر الذي تركه اعلان زين .

~ بواسطة يزيد في جويلية 15, 2013.

4 تعليقات to “لم يكن مجرد اعلان”

  1. بالرغم من محاولة صناع الدعايه لإستجلاب عبق الماضي الا أننى أشكر كل فرد ساهم بعمل هذه الدعايه لخروجها بهذا الشكل.

    3 دقائق أعادت لى 30 ذكرى و ذكرى إضافه لما ذكرت .. حكايات ألف ليليه و ليله بصوت الراحله زوز نبيل .. برنامج المسابقات حروف بالتلفزيون السعودي فترة العصريه .. فوازير رمضان للراحله هالة فؤاد و يحيى الفخرانى .. قطز و الظاهر بيبر و غيرها مما لا يسع الوقت و المكان فالماضى بالرغم من رحيله الا أنه مازال يعيش حبيس صدور بعضنا ممن أطال الله بأعمارهم و حفظ لهم بعض بقايا أمس لازلنا نلوك لحظاته مستدرين بعض طعم لتلك الأيام

    أيا ترى ينتظر لحظة لخروج عامر أو مقرراً .. بقاءاً لا خروج منه , سؤال يقف فى صف لا نهايه له .. ولا جواب أيضاً .

    بالرغم من المؤثرات الصوتية و البصريه العديده و أصوات الممثلين و ضحكاتهم الا أنها أستطاعت تجاوز كل هذا لتخرج من روحي قبل عيني ,, دمعه .. بها الكثير من الحديث و الخوف و الأمل .. بها وجوه رحلت و لم ترحل .. أعادت لى أصوات بعضهم و هى تضحك أو تنصح أو تمنع أو تطلب آمره بلغة المساومه جلب بعض المشتريات المعلبه التى تحولها يدين ساحرة إلى سفرة عامرة بالحب قبل الطعام لنجتمع عليها بجوعنا و ضحكاتنا و أحلامنا التى لاتحقق .

    يزيد , رابط إعلان زين يحتاج مراجعتك

    • هي التفاصيل تسكننا .. ننسى اهمها و اكبرها … و يبقى اصغرها قادر على وخزنا و جر غلالة دمعنا بغتة منا لتبقى متمنعة في الهدب لا تسقط احيانا و لا تعود لمجراها .. تماما كالذكرى !
      هذا الدمع الذي ياتي من اين و لماذا كردة فعل سريعة .. لست وحدك و لم اكن وحدي واعرف سوانا تكون هذه ردة فعله و تأتي مؤثرة بعمق بقدر صدقها و تعلق الشخص بها و محاولته لتمرير الموقف عبر التنهد و ترديد كلمة مثل ” ايام ” !!
      حفظ الله لك تلك الايادي و جمعك بها دائما دنيا و آخره و صدقا سطورك اضافت الكثير مما لم اعبر عنه .. فالتفاصيل المتدفقة كثيرة و صعبة الرصد كسرب فراش طائر لا يقف و لا تصطاده شبكة الحاضر .
      شكرا لك على ما كتبت و على التنبيه عن الرابط الذي قمت بمراجعته .. دمت بخير و جعل الله القادم من ايامنا اجمل واكثر بركة يارب العالمين .

  2. انطفأت كل مصابيحنا الداخلية أستاذ يزيد
    وتلك هي القصة !!

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.