رقصة من الماضي

7may2015d

هي ليست الخطوات الراقصة التي قد ترى ، بل رعشة الأحساس عند سماع لحن أعرفه !
لحن قادر على فتح بوابة الذاكرة على مصرعيها ، ليحملني إلى سفر بعيد ، و يأتي بوجوه أحبة فارقتهم ، دون أن أرغب و دون أن يرغبون !
لحن أستمعت له لأول مره عام ١٩٨٥ ميلاديه في مدينة لندن ، داخل شقة بالإيجار ، إنتقاها والدي لنا لنمضي معه اجازة الصيف اثناء دراسته هناك .
كان الفيلم موجود في مكتبته ، و كنت أحب الأستكشاف ، أخترته دون أن أدقق بأسماء الأبطال أو ماهية العمل ، كانت المرة الأولى التي أشاهد بها ” عملا كاملا ” من سلسلة ” مكتبة نجوى فؤاد الأستعراضيه ” ، و التي بها تعاونت مع عدد كبير من الفنانين سواء عبر التمثيل أو الحضور لأداء أغنية ما أو رقصة .
في هذا العمل تفاجئت بوجود الراقصة ” سهير زكي ” و بالتحديد رقصهن سويا !
في عمري ذاك و في ذلك الزمن ، شعرت بأن ما أشاهده يُعد حدث ، فأوضح لي أبي أنه أمر قد حدث سابقاَ بين سامية جمال و تحية كاريوكا في فيلم ” حبيبي الأسمر ” خلال حقبة أفلام الأبيض و الأسود ، و الموضوع ببساطة عرض و طلب و قابلية  للتنفيذ لدى الطرفين ، فلا شئ هنا يستدعي الدهشة و لا شئ عجيب ، و دعاني أن أستمتع بالمشاهدة فحسب .
فاته أن المدهش هو قدرة هذا اللحن على التأثير بي ، و استمرار تردده بداخلي رغم غياب العمل و مرور عشرات السنين ، ذلك النغم الذي أثر بي لغرقه في بحر الفلكلور العميق المدى ، معه انتابني حنين لشئ لا أعرفه ، و عشت سفر شاهدت به رمال ذهبية دون أن أغادر مكاني ، في مزماره زفير عاشق متعب ، و في الرق خفقات قلب متعب ، و في اعادة نفس ” التيمة ” اللحنية بأكثر من آلة موسيقية محاولة لاستدعاء حبيب غائب بطرق مختلفة !
قام الموسيقار هاني مهنى بتأليف هذه الموسيقى و بتوزيعها ايضا ، كما جدد عبر آلة ” الأورج ” في فترة السبعينات الكثير من المقطوعات الموسيقيه الشهيرة ، بالإضافة الى وضع الحان اخرى عديده سواء موسيقى تصويرية للأفلام أو البرامج التلفزيونية ، أو الحان راقصة لهذه الفنانة أو تلك ، مع السنوات ضاع الفيلم من مكتبتنا ، و لم أعد أذكر ” عنوانه الطويل “، كل ما أذكره التيمة اللحنية ، و هذه الرقصة ، و بأنه أحد أفلام تلك السلسلة .

7may2015df

البارحة و أنا أتصفح عدد قديم من مجلة ” الكواكب ” يعود لعام ١٩٧٧ ميلاديه ، كان هناك لقاء مع الراقصة سهير زكي ، به تحدثت عن هذا التعاون الجديد من نوعه حينها في فيلم اسمه ” الرقص على أنغام البارود ” !
تذكرت الفيلم ، و عنوانه ، و بعض التفاصيل التي به و القادرة على أن تعيدني لأجواء قد عشتها ، بدء من الأثاث و الملابس و الديكور إلى ذلك الزمن البادي في الفيلم ككل ، اضافة لتلك اللحظة التي شاهدته بها في الثمانينات ، لأجد أن كل شئ عابر تصورت بأني نسيته لم يزل محفور بذاكرتي !
ما زلت أتذكر بأني أحببت تلك الزخارف الملونة بالخلفية و فوق أرض المسرح ، المتماشية مع ملابس الراقصتين المستتره ، و لا أعلم في ذلك العمر الصغير  لما بدت لي ” سهير زكي ”  في بعض الحركات أحيانا ، كسيدة من السيدات اللواتي يرسمهن الفنان ” حجازي ” في الكاريكاتير !
برغم صغر سني وجدت في هذا الأستتار- عدم ظهور البطن و الفخذ بطريقة مباشرة ، كما الحال في بدل الرقص الشرقي المتعارف عليها – و أستخدام العصا ، أمور جعلتني أميز هذه الرقصة عن سواها ، و أشعر بأنها قريبة جدا من الفلكلور ، و بها شئ ما من اجواء ” فرقة رضا ” و فرق الفنون الشعبية بشكل عام .
شعرت وقتها – و هذا أحساس شخصي  –  بأنه لمعرفة  ” الشخصية الراقصة ” لكل واحدة منهن و بأختصار ، يكفيك ان تنظر للحظة اداء سريعة ، بها يُهز الكتف و الصدر ،  و بالتحديد بدء من الدقيقة الرابعة و ٣٦ ثانية .
ستجد أن أسلوب ” سهير ” يتسم بأنه أكثر تأني ، و ثقلا ، و له خصوصية شرقية ، أما أسلوب ” نجوى ” فهو أكثر اشتعالا ، و حماسا و انطلاقا .
يظل الأنسجام البادي بينهما واضحا ، و الأحساس الجميل جلي و متبادل ، و هو في اعتقادي ما جعل الرقصة اكثر تأثيرا ، و منحها ذاك البعد لدي ، فالمشاعر دائما ما تضفي بعدا آخر على الاشياء العاديه ، تجعلها في بعض الأحيان أكثر تميزا و استثنائية .
جزيل الشكر  لمن رفع الفيلم كاملا في اليوتيوب ، و لمن اخترع لنا تكنولوجيا نحفظ بها بعض ماضينا الذي بات يندثر أمامنا لتفاوت أهميته لدى كل منا ، ختاما اضيف لكم الرقصة مع أمنياتي بمشاهدة ممتعة .

~ بواسطة يزيد في ماي 7, 2015.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.